الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
(قوله: وبموت أحدهما تسقط المقضية) أي بموت أحد الزوجين تسقط النفقة المقضي بها؛ لأن النفقة صلة والصلات تسقط بالموت كالهبة والدية والجزية وضمان العتق أطلقه فشمل ما إذا استدانت أو لا، فإن كانت استدانة بغير إذن القاضي فإنها تسقط بموت أحدهما كما لو أنفقت من مال نفسها وإن كانت الاستدانة بأمر القاضي جزم في الظهيرية بعدم السقوط وصححه في الذخيرة ونسبه إلى الكافي للحاكم الشهيد؛ لأن للقاضي ولاية عامة بمنزلة استدانة الزوج بنفسه، ولو استدان الزوج بنفسه لا يسقط ذلك الدين بموت أحدهما كذا هذا ا هـ. قيد بالموت؛ لأن سقوط النفقة المقضي بها بالطلاق مختلف فيه فجزم في النقاية بسقوطها به كالموت مسويا بينهما، وكذا في الجوهرة وذكر في الخانية والظهيرية وكما تسقط المفروضة بموت أحد الزوجين هل تسقط بالطلاق اختلفوا فيه فقال بعضهم لا تسقط، وقال القاضي الإمام أبو علي النسفي وجدت رواية في السقوط وذكر البقالي أن على قول محمد تسقط ولا رواية عن أبي يوسف وذكر شمس الأئمة الحلواني زاد في الخصاف لسقوط النفقة المفروضة سببا آخر فقال تسقط بموته وموتها وتسقط إذا طلقها أو أبانها ا هـ. هذه عبارتها باللفظ وفي الخلاصة والبزازية وهل تسقط النفقة المفروضة بالطلاق حكي عن القاضي الإمام أبي علي النسفي أنها تسقط وفي فتاوى البقالي ذكر الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد ا هـ. وفي الذخيرة لو طلقها الزوج في هذا الوجه يسقط ما اجتمع عليه من النفقات بعد فرض القاضي كذا حكي عن القاضي الإمام أبي علي النسفي وكان يقول وجدنا رواية هذه المسألة في كتاب القاضي وبه كان يفتي الصدر الشهيد والشيخ الإمام ظهير الدين المرغيناني وشبهه بالذمي إذا اجتمع عليه خراج رأسه، ثم أسلم يسقط عنه ما كان اجتمع عليه ووجه التشبيه به أن الذمي إنما كان يؤخذ منه خراج النفس لإصراره على الدين الباطل، وقد زال ذلك المعنى بالإسلام فتسقط الجزية كذا ها هنا المرأة إنما تستحق النفقة بالوصلة التي كانت بينهما وتلك الوصلة قد انقطعت بالطلاق فأما إذا كانت النفقة مستدانة بأمر القاضي فإنها لا تسقط بالطلاق وهو الصحيح لما ذكرنا أنه كاستدانة الزوج بنفسه ا هـ. ما في الذخيرة وفي المجتبى، ولو طلقها الزوج في هذه الوجوه فإنه يسقط ما اجتمع عليه من النفقات بعد فرض القاضي ا هـ. فقد ظهر من هذا أن الراجح عندهم سقوطها بالطلاق كالموت خصوصا قد أفتى به الشيخان كما في الذخيرة وظاهر كلامهم أنه لا فرق فيه بين الطلاق الرجعي والبائن؛ لأنه في عبارة الخانية والظهيرية قد عطف البائن على الطلاق فعلم أن الطلاق رجعي قال العبد الضعيف ينبغي ضعف القول بسقوطها بالطلاق، ولو بائنا لأمور، الأول أنهم اتفقوا على أنه يحبس في النفقة المفروضة إذا امتنع من دفعها، ولو كانت تسقط بالطلاق لأمكنه أن يطلقها فتسقط ثم يراجعها، الثاني أنهم صرحوا بجواز أخذ الكفيل بالنفقة المفروضة بقدر المدة التي فرضها القاضي مع أن الكفالة لا تصح إلا بدين صحيح قالوا وهو الذي لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء فلو كان دين النفقة يسقط بالطلاق لم يكن صحيحا فلم تصح الكفالة به ولا يضرنا سقوطه بموت أحدهما؛ لأنه لعارض أن أصله صلة والصلات تسقط بالموت قبل القبض، الثالث وهو أقواها ما ذكروه في باب الخلع فإن الكل قد ذكروا أن الطلاق على مال لا يسقط شيئا من حقوق النكاح بخلاف الخلع على مال ولا بأس بذكر عباراتهم قال في البدائع ولا خلاف بينهم في الطلاق على مال أنه لا يبرأ به من سائر الحقوق التي وجبت لها بسبب النكاح ا هـ. فقد أفاد عدم سقوط النفقة والكسوة المفروضتين بالطلاق على مال؛ لأنه صرح بسائر الحقوق وهي ثلاثة المهر والنفقة والكسوة ولا يمكن حمله على المهر فقط؛ لأنه يبطل به قوله سائر الحقوق، وقال قبله، وأما حكم الخلع فإن كان بغير بدل بأن قال خالعتك ونوى به الطلاق فحكمه أن يقع الطلاق ولا يسقط شيء من المهر والنفقة الماضية وإن كان ببدل إلى آخره فهذا صريح في المسألة أيضا وفي غاية البيان أما إذا كان العقد بلفظ الطلاق على مال فهل تقع البراءة عن الحقوق المتعلقة بالنكاح ففي ظاهر الرواية تقع؛ لأن لفظ الطلاق لا يدل على إسقاط الحق الواجب بالنكاح وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة تقع البراءة عنها لإتمام المقصود ا هـ. وظاهره أن الطلاق إذا لم يكن على مال لا يسقط شيئا من الحقوق الواجبة اتفاقا فهذا كله يدل على ضعف الرواية السابقة خصوصا أن مفهوم الكتب حجة، وقد قيدوا سقوطها بموت أحدهما، وظاهر ما في الخانية والظهيرية أن الخصاف زاد الطلاق من عنده وليس له أصل في المذهب فالذي يتعين المصير إليه على كل مفت وقاض اعتماد عدم السقوط خصوصا ما تضمنه القول بالسقوط من الإضرار بالنساء حتى استفتيت وقت تأليف هذا المحل عن امرأة لها كسوة مفروضة تجمد لها عشر سنين ولم يدفع لها الزوج، ثم إنها رفعته إلى قاض وحكم عليه بالدفع فاستمهلها يوما، ثم ذهب إلى قاض رومي وخلعها عنده بغير علمها فحكم له القاضي الحنفي بسقوط الكسوة الماضية ولا يخفى ما في ذلك من الضرر فإن قلت لم لم تعتمد على تصحيح الزيلعي بقوله: وكذا لا تسقط بالطلاق في الصحيح لما ذكرنا قلت: لأن كلامه في النفقة المستدانة بأمر القاضي وكلامنا في المفروضة فقط. (قوله: ولا ترد المعجلة) أي لا ترد النفقة المعجلة بموت أحدهما ونحوه بأن عجل لها نفقة شهر بعد فرض القاضي أو التراضي، ثم مات أحدهما أطلقه فشمل ما إذا كانت قائمة أو هالكة فإن كانت هالكة فلا ترد شيئا اتفاقا وإن كانت قائمة أو مستهلكة فكذلك عندهما، وقال محمد يحتسب لها نفقة ما مضى وما بقي فهو للزوج وعلى هذا الخلاف الكسوة؛ لأنها استعجلت عوضا عما تستحقه بالاحتباس، وقد بطل الاستحقاق بالموت فبطل العوض بقدره كرزق القاضي ورزق المقاتلة ولهما أنها صلة، وقد اتصل بها القبض ولا رجوع في الصلات بعد الموت لانتهاء حكمها كما في الهبة وفتح القدير والفتوى على قولهما وجعله الولوالجي وأصحاب الفتاوى قول أبي يوسف قالوا والفتوى عليه وشمل ما إذا كان المعجل الزوج أو أباه لما في الولوالجية وغيرها أبو الزوج إذا دفع نفقة امرأة ابنه مائة، ثم طلقها الزوج ليس للأب أن يسترد ما دفع؛ لأنه لو أعطاها الزوج والمسألة بحالها لم يكن له ذلك عند أبي يوسف وعليه الفتوى فكذا إذا أعطاها أبو الزوج ا هـ. وشمل الموت والطلاق لما ذكرنا، وكذا في الخانية، ولو عجل لها، ثم طلقها لم يكن له أن يسترد وفي فتح القدير والموت والطلاق قبل الدخول سواء وفي نفقة المطلقة إذا مات زوجها اختلفوا قيل ترد، وقيل لا تسترد بالاتفاق؛ لأن العدة قائمة في موته، كذا في الأقضية فعلى هذا لا ينبغي أن يقيد كلام المصنف بموت أحدهما كما فعله الزيلعي، بل تجعل مستقلة ووجهه أنها صلة لزوجته ولا رجوع فيما يهبه لزوجته والعبرة لوقت الهبة لا لوقت الرجوع فالزوجية من الموانع من الرجوع كالموت ودفع الأب كدفع ابنه فلا إشكال. (قوله: ويباع القن في نفقة زوجته) يعني إذا كان تزوجه بإذن المولى؛ لأنه دين وجب في ذمته لوجود سببه، وقد ظهر وجوبه في حق المولى فيتعلق برقبته كدين التجارة في العبد التاجر ومراده عند عدم الفداء فإن للمولى أن يفديه؛ لأن حقها في النفقة لا في عين الرقبة فلو مات العبد سقطت، وكذا إذا قتل في الصحيح؛ لأنه صلة، وكذا المهر ولم أرهم صرحوا هنا بأن المرأة إذا اختارت استسعاءه في النفقة دون بيعه أن لها ذلك أم لا لكن صرحوا في المأذون له للتجارة إذا لحقه دين واختار الغرماء استسعاءه دون بيعه أن لهم ذلك ذكره الزيلعي في المأذون فينبغي أن يكون هنا كذلك وينبغي أن المرأة إذا اختارت استسعاءه لنفقتها كل يوم أن يكون لها ذلك أيضا قيدنا بإذن المولى؛ لأنه لو تزوج بغير إذن المولى لا يباع في النفقة لعدم وجوبها لعدم صحة النكاح؛ ولذا لم يقيد المصنف بالإذن؛ لأن عند عدمه لم تكن زوجة لتجب لها النفقة. وكذا المهر لا يباع فيه، ولو دخل بها لعدم ظهوره في حق المولى وإنما يطالب به بعد عتقه وقيد بالقن وهو العبد الذي لا حرية فيه بوجه عند الفقهاء وفي اللغة العبد إذا ملك هو وأبواه يستوي فيه الاثنان والجمع المذكر والمؤنث كما في شرح النقاية؛ لأن المكاتب والمدبر وأم الولد لا يباعون فيها لعدم جواز البيع وإنما عليهم السعاية إلا إذا عجز المكاتب فإنه يباع لزوال المانع وقيد نفقة زوجته؛ لأن نفقة أولاده لا تجب عليه سواء كانت الزوجة حرة أو أمة أما إذا كانت حرة فلأن الأولاد أحرار تبعا لها والحر لا يستوجب النفقة على العبد إلا الزوجة وإن كانت المرأة أمة فنفقة الأولاد على مولى الأمة وإن كانت نفقة الأم على العبد؛ لأن الأولاد تبع للأم في الملك فتكون نفقة الأولاد على المالك لا على الزوج، كذا في الولوالجية زاد في الكافي للحاكم وشرحه للسرخسي وشرح الطحاوي والشامل، وكذلك المكاتب لا تجب نفقة ولده سواء كانت امرأته حرة أو قنة لهذا المعنى، وإذا كانت امرأة المكاتب مكاتبة وهما لمولى واحد فنفقة الولد على الأم؛ لأن الولد تابع للأم في كتابتها ولهذا كان كسب الولد لها وأرش الجناية عليه لها وميراثه لها فكذلك النفقة تكون عليها بخلاف ما إذا وطئ المكاتب أمته فولدت حيث تجب نفقة الولد على المكاتب؛ لأنه داخل في كتابته ولهذا يكون كسبه له، وكذا أرش الجناية عليه له؛ ولأنه جزؤه فإذا اتبعه في العقد كانت نفقته عليه كنفقة نفسه ا هـ. ولم أر متى يباع القن في النفقة فإن القاضي إذا قرر لها نفقة كل شهر كذا وطالبت بالنفقة هل يباع لأجل النفقة اليسيرة أو تصير المرأة حتى يجتمع لها من النفقة قدر قيمته إن قلنا بالأول ففيه إضرار بالمولى ويقتضي أن يباع في نفقة يوم إذا طلبتها ولم يفده السيد وإن قلنا بالثاني ففيه إضرار بها خصوصا إذا كانت فقيرة وذكر في الذخيرة ما يدل على المراد ولفظها فإذا اجتمع عليه من النفقة ما يعجز عن الأداء يباع فيه إلا أن يفديه المولى ا هـ. وإذا فرض القاضي لها نفقة شهر مثلا فطالبته وعجز عن أدائه باعه القاضي إن لم يفده والله الموفق للصواب وأطلق في بيعه لها فشمل سيده المزوج له وغيره فإذا بيع فيها فاشتراه من علم به أو لم يعلم، ثم علم فرضي ظهر السبب في حقه أيضا فإذا اجتمعت عليه النفقة مرة أخرى يباع ثانيا، وكذا حاله عند المشتري الثالث وهلم جرا ولا يباع مرة بعد أخرى إلا في دين النفقة؛ لأنها تتجدد شيئا فشيئا على حسب تجدد الزمان على وجه يظهر في حق السيد فهو في الحقيقة دين حادث عند المشتري، وأما إذا لم يعلم المشتري بحاله أو علم بعد الشراء ولم يرض فله رده؛ لأنه عيب اطلع عليه، كذا في فتح القدير، وقد فرق الولوالجي وغيره أيضا بين دين النفقة وبين دين المهر بأن العبد إنما بيع في جميع المهر وأن المهر جميعه واجب فإذا بيع في جميع المهر مرة لا يباع مرة أخرى وإن بقي شيء من ذلك المهر فأما النفقة فإنما تجب شيئا فشيئا فإذا بيع فيها فإنما بيع فيما اجتمع من النفقة وصارت واجبة، وأما فيما لم يجتمع ولم يصر واجبا لا يتصور البيع فيه فإذا وجبت نفقة أخرى فهذا دين حادث لم يبع العبد فيه مرة أخرى فجاز بيعه ا هـ. وهذا يدل على أنه لو بيع في النفقة المجتمعة فلم يف بكلها فاشتراه من هو عالم به فإنه لا يباع لبقية النفقة الماضية؛ لأنها حينئذ كالمهر وإنما يباع لما يجتمع من النفقة عند المشتري وبهذا ظهر أن ما ذكره صدر الشريعة في شرح الوقاية من قوله صورته عبد تزوج امرأة بإذن المولى ففرض القاضي النفقة عليه فاجتمع عليه ألف درهم فبيع بخمسمائة وهي قيمته والمشتري عالم أن عليه دين النفقة يباع مرة أخرى بخلاف ما إذا كان الألف عليه بسبب آخر فبيع بخمسمائة لا يباع مرة أخرى ا هـ. سهو فاحش ظاهر لتصريحهم بأن دين النفقة في الحقيقة دين حادث عند المشتري؛ ولأنه يلزم عليه أن يكون دين النفقة أقوى من سائر الديون والأمر بالعكس وأطلق المصنف في الزوجة فشمل الحرة والأمة ويستثني من الأمة أمة سيد العبد فإنه لا نفقة لها على العبد بوأها العبد بيتا أو لا وإنما هي على المولى؛ لأنهما جميعا ملك المولى ونفقة المملوك على المالك، كذا في الذخيرة وشمل بنت المولى فإن لها النفقة على عبد أبيها؛ لأن النفقة في معنى سائر الديون من وجه والبنت تستحق الدين على الأب، وكذلك على عبد الأب، كذا في الذخيرة أيضا، وقد سئلت عن كفن امرأة العبد وتجهيزها على القول المفتى به من أنه على الزوج وإن تركت مالا فأجبت بأني إلى الآن لم أرها صريحة لكن تعليلهم لأبي يوسف بأن الكفن كالكسوة حال الحياة يقتضي أن يكون على العبد ومقتضاه أن يباع فيه كما يباع في كسوتها. (قوله: ونفقة الأمة المنكوحة إنما تجب بالتبوئة)؛ لأنه لا احتباس إلا بها فإن بوأها المولى معه منزلا فعليه النفقة لتحقق الاحتباس وإلا فلا لعدمه أطلق في الزوج فشمل الحر والقن والمدبر والمكاتب وأطلق في الأمة فشمل القنة والمدبرة وأم الولد، وأما المكاتبة فهي كالحرة ولا يحتاج إلى التبوئة لاستحقاق النفقة؛ لأن منافعها على حكم ملكها بصيرورتها أحق بنفسها ومنافعها بعقد الكتابة ولهذا لم يبق للمولى ولاية الاستخدام فكانت كالحرة والتبوئة أن يخلي المولى بين الأمة وزوجها في منزل الزوج ولا يستخدمها، كذا في كافي الحاكم الشهيد وهو يفيد أنه لو جاءت الأمة من منزل زوجها بعد التبوئة وخدمت المولى في بعض الأوقات من غير أن يستخدمها لم يسقط كما صرح به في الذخيرة وفيها لو جاءت إلى بيت المولى في وقت والمولى ليس في البيت فاستخدمها أهله ومنعوها من الرجوع إلى بيته فلا نفقة لها؛ لأن استخدام أهل المولى إياها بمنزلة استخدام المولى وفيه تفويت التبوئة ا هـ. وظاهر قوله ولا يستخدمها أنه لو استخدمها وهي في منزل الزوج فلا نفقة لها؛ لأن للتبوئة شرطين فإذا فقد أحدهما فقدت ويدل عليه قولهم، ولو استخدمها بعد التبوئة سقطت النفقة لكن علله في الهداية بقوله؛ لأنه فات الاحتباس وهو يدل على أنها خدمته في بيت المولى وتعليل الزيلعي بقوله لزوال الموجب أولى وقيد بالأمة؛ لأن نفقة الحرة واجبة مطلقا، ولو كان زوجها عبدا وما في الكتاب من تقييد زوجة العبد إذا كانت حرة بالتبوئة فقال في الذخيرة إنه ليس بصحيح؛ لأن الحرة لا تحتاج إليها مطلقا وقيد بالمنكوحة؛ لأن نفقة المملوكة على سيدها مطلقا، وقد تقدم أن التبوئة من السيد ليست بلازمة تقديما لحقه على الزوج، ولو بوأ الأمة بعد الطلاق ولم يكن بوأها قبله فلا نفقة لها؛ لأنها لم تستحق بهذا الطلاق فلا تستحق بعده وإن فاتت التبوئة بعد الطلاق، ثم عادت تعود النفقة كما في الولوالجية ولا يشكل على التعليل الحرة إذا كانت ناشزة فطلقها زوجها فلها أن تعود إلى بيت الزوج وتأخذ النفقة والسكنى كما ذكره الإسبيجابي للفرق المذكور في الولوالجية من أن في الأمة النكاح حالة الطلاق لم يكن سببا لوجوب النفقة؛ لأنه لم يكن سببا لوجوب الاحتباس إذ لا يجب التبوئة وفي الحرة النكاح حالة الطلاق سبب لوجوب النفقة إلا أنها فوتت بالنشوز فإذا عادت وجبت ا هـ. وظاهره أن تقدير النفقة من القاضي قبل التبوئة لا يصح؛ لأنه قبل السبب ولم أره صريحا وفي الذخيرة والولوالجية وإن كان للرجل نسوة بعضهن حرائر مسلمات وبعضهن إماء ذميات فهن في النفقة سواء؛ لأن النفقة مشروعة للكفاية وذلك لا يختلف باختلاف الدين والرق والحرية إلا أن الأمة لا تستحق نفقة الخادم ا هـ. وينبغي أن يكون هذا مفرعا على ظاهر الرواية من اعتبار حاله، وأما على المفتى به فلسن في النفقة سواء لاختلاف حالهن يسارا وعسرا، فليست نفقة الموسرة كنفقة المعسرة وليست نفقة الحرة كالأمة كما لا يخفى ولم أر من نبه عليه. (قوله: والسكنى في بيت خال عن أهله وأهلها) معطوف على النفقة أي تجب السكنى في بيت أي الإسكان للزوجة على زوجها؛ لأن السكنى من كفايتها فتجب لها كالنفقة، وقد أوجبها الله تعالى كما أوجب النفقة بقوله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} أي من طاقتكم أي مما تطيقونه ملكا أو إجارة أو عارية إجماعا، وإذا وجبت حقا لها ليس له أن يشرك غيرها فيه؛ لأنها تتضرر به فإنها لا تأمن على متاعها ويمنعها ذلك من المعاشرة مع زوجها ومن الاستمتاع إلا أن تختار؛ لأنها رضيت بانتقاص حقها ودخل في الأهل الولد من غيرها لما بينا من قبل إلا أن يكون صغيرا لا يفهم الجماع فله إسكانه معها كما في فتح القدير وخرج عنه أمته وأم ولده، فليس للمرأة الامتناع من إسكانهما معها على المختار كما سيذكر المصنف آخر الكتاب؛ لأنه يحتاج إلى الاستخدام فلا يستغني عنها وإنما ذكر البيت دون الدار؛ لأنه لو أسكنها في بيت من الدار مفردا وله غلق كفاها لأن المقصود حصل. كذا في الهداية، وقد اقتصر على الغلق فأفاد أنه، ولو كان الخلاء مشتركا بعد أن يكون له غلق يخصه وليس له أن تطالبه بمسكن آخر وبه قال الإمام؛ لأن الضرر بالخوف على المتاع وعدم التمكن من الاستمتاع قد زال ولا بد من كون المراد كون الخلاء مشتركا بينهم وبين غير الأجانب والذي في شرح المختار، ولو كان في الدار بيوت وأبت أن تسكن مع ضرتها أو مع أحد من أهله إن أخلى لها بيتا وجعل له مرافق وغلقا على حدة ليس لها أن تطلب بيتا، كذا في فتح القدير وهو يفيد أنه لا بد للبيت من بيت الخلاء ومن مطبخ بخلاف ما في الهداية وينبغي الإفتاء بما في شرح المختار ويشترط أن لا يكون في الدار أحد من أحماء الزوج يؤذيها كما في الخانية، قالوا للزوج أن يسكنها حيث أحب، ولكن بين جيران صالحين، ولو قالت إنه يضربني ويؤذيني فمره أن يسكنني بين قوم صالحين فإن علم القاضي ذلك زجره عن التعدي في حقها وإلا يسأل الجيران عن صنيعه فإن صدقوها منعه عن التعدي في حقها ولا يتركها ثمة وإن لم يكن في جوارها من يوثق به أو كانوا يميلون إلى الزوج أمره بإسكانها بين قوم صالحين ا هـ. ولم يصرحوا بأنه يضرب وإنما قالوا زجره ولعله؛ لأنها لم تطلب تعزيره وإنما طلبت الإسكان بين قوم صالحين، وقد علم من كلامهم أن البيت الذي ليس له جيران، فليس بمسكن شرعي، ثم اعلم أن المسكن أيضا لا بد أن يكون بقدر حالهما كما تقدم في الطعام والكسوة، فليس مسكن الأغنياء كمسكن الفقراء فلو أخر قوله بقدر حالهما عن المسكن لكان أولى وقدمنا أن النفقة إذا أطلقت فإنها تنصرف إلى الطعام والكسوة والسكنى كما في الخلاصة فقولهم يعتبر في النفقة حالهما يشمل الثلاثة كما لا يخفى وفي البزازية من الإجارات تزوج بها وبنى بها في منزل كانت فيه بأجر ومضى عليه سنة فطالب المؤجر المرأة بالأجرة فقالت له أخبرتك أن المنزل بالكراء فعليك الأجر لا يلتفت إلى مقالتها والأجرة عليها لا على الزوج؛ لأنها العاقدة ا هـ. ومفهومه أنها لو سكنت بغير إجارة في وقف أو مال يتيم أو ما كان معدا للاستغلال فالأجرة عليه في البزازية أجرت دارها من زوجها وهما يسكنان فيه لا أجرة عليه ا هـ. ولم يذكر المصنف المؤنسة؛ لأنها ليست بواجبة عليه كما في الفتاوى السراجية يعني ليس عليه أن يأتي لها بامرأة تؤنسها في البيت إذا خرج إذا لم يكن عندها أحد. (قوله: ولهم النظر والكلام معها) يعني في أي وقت اختار أهلها ذلك فلهم ذلك لما في عدمه من قطيعة الرحم وليس له في ذلك ضرر، وقد أفاد كلامه أن له أن يمنع أهلها من الدخول في بيته ولو والدة أو ولدا؛ لأن المنزل ملكه وله حق المنع من الدخول في ملكه، وأما القيام على باب الدار، فليس له منعهم منه كالكلام كما في الخانية واختاره القدوري، وقيل لا يمنعهم من الدخول وإنما يمنعهم من القرار؛ لأن الفتنة في المكث وطول الكلام، والصحيح خلاف كل من القولين قالوا الصحيح أنه لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين ولا يمنعهما من الدخول عليها في كل جمعة وفي غيرهما من المحارم في كل سنة وإنما يمنعهم من الكينونة عندها وعليه الفتوى كما في الخانية، وعن أبي يوسف في النوادر تقييد خروجها بأن لا يقدر على إتيانها فإن كانا يقدران على إتيانها لا تذهب وهو حسن فإن بعض النساء لا يشق عليها مع الأب الخروج، وقد يشق على الزوج فتمتنع، وقد اختار بعض المشايخ منعها من الخروج إليهما، وقد أشار إلى نقله في شرح المختار والحق الأخذ بقول أبي يوسف إذا كان الأبوان بالصفة التي ذكرت وإن لم يكونا كذلك ينبغي أن يؤذن لها في زيارتهما الحين بعد الحين على قدر متعارف أما في كل جمعة فبعيد فإن في كثرة الخروج فتح باب الفتنة خصوصا إذا كانت شابة والزوج من ذوي الهيئات بخلاف خروج الأبوين فإنه أيسر، ولو كان أبوها زمنا مثلا وهو يحتاج إلى خدمتها والزوج يمنعها من تعاهده فعليها أن تعصيه مسلما كان الأب أو كافرا، كذا في فتح القدير. وقد استفيد مما ذكرناه أن لها الخروج إلى زيارة الأبوين والمحارم فعلى الصحيح المفتى به تخرج للوالدين في كل جمعة بإذنه وبغير إذنه ولزيارة المحارم في كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه، وأما الخروج للأهل زائدا على ذلك فلها ذلك بإذنه قال في الظهيرية ويجوز للرجل أن يأذن لها في الخروج إلى زيارة الوالدين وتعزيتهما وعيادتهما وزيارة المحارم وفي الخلاصة معزيا إلى مجموع النوازل يجوز للرجل أن يأذن لها بالخروج إلى سبعة مواضع زيارة الأبوين وعيادتهما أو أحدهما وزيارة المحارم فإن كانت قابلة أو غسالة أو كان لها على آخر حق تخرج بالإذن وبغير الإذن والحج على هذا وفيما عدا ذلك من زيارة الأجانب وعيادتهم والوليمة لا يأذن لها ولا تخرج. ولو أذن وخرجت كانا عاصيين وتمنع من الحمام فإن أرادت أن تخرج إلى مجلس العلم بغير رضا الزوج ليس لها ذلك فإن وقعت لها نازلة إن سأل الزوج من العالم أو أخبرها بذلك لا يسعها الخروج وإن امتنع من السؤال يسعها من غير رضا الزوج وإن لم تقع لها نازلة لكن أرادت أن تخرج إلى مجلس العلم لتتعلم مسألة من مسائل الوضوء والصلاة فإن كان الزوج يحفظ المسائل ويذكر عندها فله أن يمنعها وإن كان لا يحفظ فالأولى أن يأذن لها أحيانا وإن لم يأذن فلا شيء عليه ولا يسعها الخروج ما لم يقع لها نازلة وفي الفتاوى في باب المهر، والمرأة قبل أن تقبض مهرها لها الخروج في حوائجها وتزور الأقارب بغير إذن الزوج فإن أعطاها المهر ليس لها الخروج إلا بإذن الزوج ا هـ. وهكذا في الخانية إلا أنه زاد أنها تخرج بغير الإذن أيضا إذا كانت في منزل يخاف السقوط عليها وقيد الحج بالفرض مع وجود المحرم وقيد خروج القابلة والغاسلة بإذن الزوج وفسر الغاسلة بمن تغسل الموتى وينبغي أن للزوج أن يمنع القابلة والغاسلة من الخروج؛ لأن في الخروج إضرارا به وهي محبوسة لحقه، وحقه مقدم على فرض الكفاية بخلاف الحج الفرض؛ لأن حقه لا يقدم على فرض العين وينبغي أن يحمل كلامهم هنا على المرأة التي لم تكن مخدرة في مسألة خروجها للخصومة عند القاضي؛ لأنه حينئذ لا يقبل منها التوكيل، وأما إذا كانت مخدرة، فليس لها الخروج بغير إذن الزوج لقبول التوكيل منها بغير رضا الخصم أما الزوج أو غيره ولم أر من نبه على هذا وسيأتي في باب التعزير المواضع التي يجوز للزوج أن يضرب امرأته فيها وقالوا هنا له أن يمنع امرأته من الغزل ولا تتطوع للصلاة والصوم بغير إذن الزوج، كذا في الظهيرية وينبغي عدم تخصيص الغزل، بل له أن يمنعها من الأعمال كلها المقتضية للكسب؛ لأنها مستغنية عنه لوجوب كفايتها عليه، وكذا من العمل تبرعا لأجنبي بالأولى وفي فتح القدير حيث أبحنا لها الخروج فإنما يباح بشرط عدم الزينة وتغيير الهيئة إلى ما لا يكون داعية لنظر الرجال والاستمالة قال الله تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} وقول الفقيه وتمنع من الحمام خالفه قاضي خان قال في فصل الحمام في فتاويه حيث قال دخول الحمام مشروع للرجال والنساء جميعا خلافا لما قاله بعض الناس إلى آخره. (قوله: وفرض لزوجة الغائب وطفله وأبويه في مال له عند من يقربه وبالزوجية ويؤخذ منها كفيل) بيان نفقة الزوجة إذا كان زوجها غائبا ولم يعطها نفقتها واستتبع نفقة الفروع والأصول عند غيبته ولا يخلو إما أن يكون له مال حاضر عند غيره أو لا فصرح بالأول وأشار إلى الثاني أما الأول فشرط لفرض القاضي شيئين أن يكون من عنده المال مقرا به وأن يكون مقرا بالزوجية؛ لأنه لما أقر بهما فقد أقر بأن حق الأخذ لها؛ لأن لها أن تأخذ من مال الزوج حقها من غير رضاه، وإقرار صاحب اليد مقبول في حق نفسه لا سيما هنا، وكذا الولد الصغير والأبوان؛ لأن لهم أن يأخذوا نفقتهم من ماله بغير قضاء ولا رضا وكان القضاء في حقهم إعانة وفتوى من القاضي وحكم الولد الكبير الزمن أو الأنثى مطلقا كالصغير لما سيأتي وقيد بالطفل والأبوين للاحتراز عن غيرهم من الأقرباء كالأخ والعم فإن نفقتهم إنما تجب بالقضاء؛ لأنه مجتهد فيه والقضاء على الغائب لا يجوز وللاحتراز عن نفقة مملوكة وأطلق فيمن عنده المال فشمل مودعه ومضاربه قالوا وكذا مديونه فلو قال المصنف عنده أو عليه لكان أولى؛ لأن عنده للأمانة فلو استعملت هنا للأمانة والدين لكان جمعا بين الحقيقة والمجاز بلفظ واحد وهو لا يجوز. وقوله بالزوجية اكتفاء وإلا فكان ينبغي أن يقول وبالزوجية والنسب؛ لأنه لا تفرض النفقة لطفله وأبويه حتى يكون مقرا بالنسب كما في التبيين قالوا وعلم القاضي بهما كإقراره وإن علم القاضي أحدهما يحتاج إلى الإقرار بالآخر على الصحيح وأطلق في المال وهو في محل التقييد قالوا هذا إذا كان المال من جنس حقها دراهم أو دنانير أو تبرا أو طعاما أو كسوة من جنس حقها أما إذا كان من خلاف جنس حقها لا تفرض النفقة فيه؛ لأنه يحتاج إلى البيع ولا يباع مال الغائب بالاتفاق، أما عند أبي حنيفة فلأنه لا يباع على الحاضر فكذا على الغائب، وأما عندهما فلأنه إن كان يقضي على الحاضر؛ لأنه يعرف امتناعه لا يقضي على الغائب؛ لأنه لا يعرف امتناعه وقيد بإقراره بهما؛ لأنه لو جحد كون المال للغائب أو جحد النكاح أو جحدهما لم تقبل بينتهما على شيء من ذلك أما على المال فلأنها بهذه البينة تثبت الملك للغائب وهي ليست بخصم في إثبات الملك للغائب، وأما على الزوجية فلأنها بهذه البينة تثبت النكاح على الغائب والمودع والمديون ليسا بخصم في إثبات النكاح على الغائب ولا يمين للمرأة عليه؛ لأنه لا يستحلف إلا من كان خصما، كذا في الخانية من كتاب الوديعة وهي مما يستثنى من قولهم كل من أقر بشيء لزمه فإذا أنكره يحلف عليه ولم يذكر المصنف استحلاف المرأة قبل الفرض. وفي الذخيرة فإن القاضي يسأل المرأة هل عجل لها النفقة فإن قالت لا يستحلفها فإذا حلفت أمرهما القاضي بإعطاء النفقة من ذلك وفي الخانية أنه يحلفها أنه ما أعطاها نفقة ولا كانت ناشزة وقيد بنفقة من ذكر للاحتراز عن دين على الغائب فإن صاحب الدين لو أحضر غريما أو مودعا للغائب لم يأمره القاضي بقضاء الدين وإن كان مقرا بالمال وبدينه؛ لأن القاضي إنما يأمر في حق الغائب بما يكون نظرا له وحفظا لملكه وفي الإنفاق على زوجته من ماله حفظ ملكه وفي وفاء دينه قضاء عليه بقول الغير وهو لا يجوز، كذا في الذخيرة وأطلق فرض النفقة فشمل ما إذا قال المودع إن الزوج أمرني أن لا أدفع إليها شيئا فإن القاضي لا يلتفت إليه ويأمره بالإنفاق ولا ضمان عليه، كذا في الذخيرة والضمير في قول المصنف فرض يعود إلى ما ذكر أولا وهو الثلاثة أي فرض النفقة والكسوة والسكنى كما في الذخيرة وإنما يأخذ منها كفيلا لجواز أنه قد عجل لها النفقة أو كانت ناشزة أو مطلقة قد انقضت عدتها فكان النظر له في التكفيل بخلاف أخذ الكفيل عند قسمة التركة بين الورثة فإنه ليس بحسن لجهالة المكفول له كما سيأتي واختلف أخذ الكفيل هل هو واجب على القاضي أو حسن ذهب السرخسي إلى الأول والخصاف إلى الثاني وصحح الصدر الشهيد الأول؛ لأنه نصب ناظرا للعاجز فيجب عليه النظر إليه وهو في أخذ الكفيل وفي كتاب الأقضية أن القاضي لو لم يأخذ منها كفيلا دفع إليها النفقة فهذا إشارة إلى أن أخذ الكفيل نوع احتياط لا أن يكون لازما كذا في الذخيرة وذكر في المستصفى قوله ويؤخذ منها أي من المرأة وفي بعض النسخ ويؤخذ منه أي من آخذ النفقة أو من كل واحد من الأصناف المذكورين ا هـ. وهذا يدل على أنه يؤخذ الكفيل من الوالدين أيضا وهو الظاهر؛ لأنه أنظر للغائب، وقد يقال إنه إنما يؤخذ منها لما تقدم، وأما من الوالدين فإنما هو لاحتمال التعجيل وقدمنا أن النفقة المعجلة للقريب إذا هلكت أو سرقت فإنه يقضي له بأخرى بخلاف الزوجة، فليس في أخذ الكفيل احتياط للغائب؛ لأنه لو كان عجل ثم ادعى الوالد هلاكها قبل منه وقيد بكون المال عند شخص؛ لأنه لو كان له مال في بيته فطلبت من القاضي فرض النفقة فإن علم بالنكاح بينهما فرض لها في ذلك المال؛ لأنه إيفاء لحق المرأة وليس بقضاء على الزوج بالنفقة كما لو أقر بدين، ثم غاب وله مال حاضر من جنس الدين وطلب صاحب الدين من ذلك قضى له به أصله حديث هند كما عرف وينبغي للقاضي أن يحلفها أنه لم يعطها النفقة ويأخذ منها كفيلا كما قدمناه، كذا في الذخيرة، ولو لم يكن له مال أصلا فطلبت من القاضي فرض النفقة فعندنا لا يسمع البينة؛ لأنه قضاء على الغائب، وعند زفر يسمع القاضي البينة ولا يقضي بالنكاح ويعطيها النفقة من مال الزوج وإن لم يكن له مال أمرها القاضي بالاستدانة فإن حضر الزوج وأقر بالنكاح أمره بقضاء الدين وإن أنكر ذلك كلفها القاضي إعادة البينة فإن لم تعدها أمرها القاضي برد ما أخذت وما يفعله القضاء في زماننا من قبول البينة من المرأة وفرض النفقة على الغائب إنما ينفذ لا لأنه قول علمائنا الثلاثة في ظاهر الرواية وإنما ينفذ لكونه مختلفا فيه إما مع زفر أو مع أبي يوسف كما ذكره الخصاف وهو أرفق بالناس، ثم على قول من يقول تفرض النفقة في هذه المسألة لا تحتاج المرأة إلى إقامة البينة على أنه لم يخلف نفقة، كذا في الذخيرة والخانية. والحاصل أن القاضي إذا لم يعلم النكاح، فليس له فرض النفقة على الغائب، ولو أقامت المرأة البينة على ظاهر الرواية لكن لو سمع البينة وفرضها وأمرها بالاستدانة جاز ونفذ كما هو قول زفر وأبي يوسف وعليه العمل وهي من إحدى المسائل الست التي يفتى فيها بقول زفر لحاجة الناس وفي فتح القدير ونقل مثل قول زفر عن أبي يوسف فقوي عمل القضاة لحاجة الناس إلى ذلك، وإذا كان للمرأة أولاد صغار وغاب الأب ولم يترك لهم نفقة تجبر الأم على الإنفاق إن كان لها مال، ثم ترجع بذلك على الأب، كذا في الخانية وبهذا علم أن الرجل إذا غاب وله زوجة وأولاد صغار ولم يترك شيئا فإن القاضي يسمع البينة منها على النكاح إن لم يكن عالما به على ما عليه العمل، ثم يفرض لها ولأولادها نفقة، ثم يأمرها بالاستدانة فإذا جاء رجعت عليه بالمفروض لها ولأولادها وأشار بقوله فرض إلى أن المودع والمديون لو أنفقا بغير أمر القاضي فإن المودع ضامن ولا يبرأ المديون ولا رجوع للمنفق على من أنفق عليه كما في الذخيرة وجعله في الخانية نظير المودع لو قضى الوديعة دين المودع بغير أمر القاضي فإنه يكون ضامنا ا هـ. مع أنه في هذه المسألة لا فرق بين أمر القاضي وعدمه فإنه ليس للقاضي أن يقضي دين الغائب من وديعته كما قدمناه ولم يذكر المصنف الحكم بعد حضور الزوج قال في الذخيرة فإن حضر الزوج، وقال كنت أوفيت النفقة أو أرسلت إليها النفقة فالقاضي يقول له أقم البينة فإن أقامها أمرها القاضي برد ما أخذت؛ لأنه ظهر عند القاضي أنها أخذت بغير حق وللزوج الخيار إن شاء أخذها بذلك وإن شاء أخذ الكفيل، فإن لم يكن للزوج بينة وحلفت المرأة على ذلك فلا شيء على الكفيل وإن نكلت عن اليمين ونكل الكفيل لزمهما المال وللزوج الخيار فقد ذكر في هذه المسألة نكولهما ونكول المرأة أمر لازم، وأما نكول الكفيل، فليس بلازم، بل إذا نكلت المرأة فذلك يكفي لثبوت الخيار للزوج وإن لم ينكل الكفيل؛ لأن النكول إقرار والأصيل إذا أقر بالمال لزم الكفيل وإن جحد الكفيل ولا ضمان على المودع؛ لأن أمر القاضي بالدفع إليها قد صح فصار كأمره بنفسه ا هـ. ويخالفه ما في المبسوط وشرح الطحاوي من أنها لو أقرت أنها تعجلت نفقتها فالزوج يأخذ من المرأة ولا يأخذ من الكفيل ا هـ. وسيأتي في باب الكفالة الفرق بين الكفالة بدين قائم في الحال كقوله كفلت بما لك عليه فلا يلزم الكفيل ما أقر به الأصيل وبين الكفالة بدين يجب كقوله ما ثبت لك عليه أو ذاب فيلزم الكفيل ما أقر به كما في فتح القدير ولا يخفى أن الكفيل إنما ضمن الدين القائم للحال؛ لأنها لما أخذت ثانيا ضمنها فكان وقت الضمان الدين قائم في ذمتها للحال وهو ما أخذته ثانيا فظهر بهذا أنه من القسم الأول فالحق ما في المبسوط كما في المجتبى ولم يذكر أنه يأخذ منها كفيلا بنفسها أو بما أعطاها، وذكر في شس فإذا حلفت فأعطاها النفقة أخذ منها كفيلا بذلك بط وهو الصحيح ا هـ. فقد صرح بأن الكفالة إنما هو بما أخذته قبل الكفالة فهو نظير قوله كفلت بما لك عليه وفي الخانية وبعدما أمر القاضي المودع أو المديون إذا قال المودع دفعت المال إليها لأجل النفقة قبل قبوله ولا يقبل قول المديون إلا ببينة ا هـ. ولم يذكر قولها وينبغي أن يكون كالبينة؛ لأنها مقرة على نفسها وفي الخانية الوديعة أولى من الدين في البداءة بالإنفاق منها عليها وفي الذخيرة وينفق القاضي عليها من غلة الدار والعبد الذي هو للغائب؛ لأنه من جنس حقها وأطلق المصنف في الغائب فشمل المفقود وغيره كما في شرح الطحاوي ولم يقيد فيما عندي من الكتب الغيبة بشيء إلا في الفتاوى الصيرفية فإنه قال إيجاب النفقة في مال الغائب يشترط أن يكون مدة سفر ا هـ. وهو قيد حسن يجب حفظه فإنه فيما دونه يسهل إحصاره ومراجعته. (قوله: ولمعتدة الطلاق) أي تجب النفقة والكسوة والسكنى لمعتدة الطلاق هذا هو ظاهر المختصر وذكر الزيلعي النفقة والسكنى ولم يذكر الكسوة، والمنقول في الذخيرة والخانية والعناية والمجتبى أن المعتدة تستحق الكسوة قالوا وإنما لم يذكرها محمد في الكتاب؛ لأن العدة لا تطول غالبا فتستغني عنها حتى لو احتاجت إليها يفرض لها ذلك ا هـ. فظهر بهذا أن كسوة المعتدة على التفصيل إذا استغنت عنها لقصر المدة كما إذا كانت عدتها بالحيض وحاضت أو بالأشهر فإنه لا كسوة لها وإن احتاجت إليها لطول المدة كما إذا كانت ممتدة الطهر ولم تحض فإن القاضي يفرض لها، وهذا هو الذي حرره الطرسوسي في أنفع الوسائل وهو تحرير حسن مفهومه من كلامهم أطلق الطلاق فشمل البائن والرجعي؛ لأنها جزاء الاحتباس وهي محبوسة فيهما في حق حكم مقصود وهو الولد إذ العدة واجبة لصيانة الولد فتجب النفقة وفي المجتبى ونفقة العدة كنفقة النكاح وتسقط بمضي المدة إلا بفرض أو صلح وإن استدانت عليه وهو غائب فإن كان بقضاء ترجع عليه وبغير قضاء اختلاف الروايات والمشايخ ا هـ. وفي الذخيرة والنفقة واجبة للمعتدة طالت المدة أو قصرت ويكون القول قولها في عدم انقضائها مع يمينها فإن أقام الزوج بينة على إقرارها بانقضائها برئ منها وإن ادعت حبلا أنفق عليها ما بينها وبين سنتين منذ يوم طلقها فإن قالت كنت أظن أني حامل ولم أحض وأنا ممتدة الطهر إلى هذه الغاية وأظن أن هذا الذي بي ريح وأنا أريد النفقة حتى تنقضي عدتي، وقال الزوج قد ادعيت الحبل وأكثره سنتان فالقاضي لا يلتفت إلى قوله وتلزمه النفقة ما لم تنقض العدة إما بثلاث حيض أو بدخولها في حد الإياس ومضي ثلاثة أشهر بعده فإن حاضت في هذه الأشهر الثلاثة استقبلت العدة بالحيض والنفقة واجبة لها في جميع ذلك ما لم يحكم بانقضاء العدة وهكذا في الخلاصة، وقد وقعت حادثة في زماننا هي أنها ادعت الحبل ولم يصدقها فقرر لها نفقة على أنها إن لم تكن حاملا ردت ما أخذته ولا يخفى أنه شرط باطل وفي الخلاصة المعتدة إذا لم تأخذ النفقة حتى انقضت عدتها سقطت نفقتها هذا إذا لم تكن مفروضة أما إذا كانت مفروضة ذكر الصدر الشهيد في الفتاوى الصغرى عن شمس الأئمة الحلواني أنه قال في المختار عندي أنها لا تسقط ا هـ. وذكر الخلاف في الخانية أيضا وفي الذخيرة إن كان القاضي أمرها بالاستدانة واستدانت فلها الرجوع على الزوج؛ لأنه كاستدانته بنفسه وإن لم يأمرها القاضي بالاستدانة ففيه خلاف وأشار السرخسي إلى أنها تسقط حيث علل فقال سبب استحقاق هذه النفقة العدة والمستحق بهذا السبب في حكم العلة فلا بد من قيام السبب لاستحقاق المطالبة ألا ترى الذمي إذا أسلم وعليه خراج رأسه لم يطالب بشيء منه فكذا هنا وهو الصحيح ا هـ. فعلى هذا لا بد من إصلاح المتون فإنهم صرحوا أنها تجب بالقضاء أو الرضا وتصير دينا وهنا لا تصير دينا بالقضاء إلا إذا لم تنقض العدة وهو يرجح أن المقضي بها تسقط بالطلاق؛ لأنه يشترط للمطالبة بها قيام السبب وفي الذخيرة على الزوج مؤنة سكنى المعتدة فإن لم يكن له منزل مملوك يكتري منزلا لها ويكون الكراء عليه فإن كان معسرا تؤمر المرأة أن تستدين الكراء، ثم ترجع على الزوج إذا أيسر كما هو الحكم في النفقة حال قيام النكاح وإن كان الطلاق بائنا فإن كان المنزل ملكا للزوج ينبغي أن يخرج الزوج من المنزل ويعتزل عنها ويتركها في ذلك المنزل إلى انقضاء عدتها، وكذلك إن كان المنزل بالكراء وإن استكرى لها منزلا آخر يجوز لكن الأفضل أن يتركها في المنزل الذي كانا يسكنان فيه قبل الطلاق وإن كان الطلاق رجعيا فقد ذكر الخصاف أنه يسكنها في المنزل الذي كانا يسكنان فيه قبل الطلاق لكن الزوج يخرج أو يعتزل عنها في ناحية منه ا هـ. وفيها أيضا المعتدة إذا خرجت من بيت العدة تسقط نفقتها ما دامت على النشوز فإن عادت إلى بيت الزوج كان لها النفقة والسكنى، ثم الخروج عن بيت العدة على سبيل الدوام ليس بشرط لسقوط نفقتها فإنها إذا خرجت زمانا وسكنت زمانا لا تستحق النفقة وفي فتاوى النسفي المعتدة عن طلاق بائن إذا تزوجت في العدة ووجد الدخول وفرق بينهما ووجبت العدة منهما لا نفقة على الزوج الثاني لفساد نكاحه وهي على الأول إذا لم تخرج من بيت العدة فإن خرجت فلا ولا توصف بالنشوز بمنعها نفسها منه هنا؛ لأن الطلاق بائن والحل زائل ا هـ. وفي الذخيرة أيضا، وإذا صالح الرجل امرأته عن نفقتها ما دامت في العدة على دراهم مسماة لا يزيدها عليها حتى تنقضي العدة ينظر إن كان عدتها بالحيض لا يجوز الصلح للجهالة وإن كانت بالأشهر جاز لعدمها، وإذا خلعها أو أبانها، ثم صالحها عن السكنى على دراهم لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى إبطال حق الله تعالى في السكنى وفي المحيط خالعها على أن لا نفقة لها ولا سكنى فلها السكنى دون النفقة؛ لأن النفقة حقها فيصح الإبراء عنها دون السكنى وفي الولوالجية المختلعة بنفقة عدتها هل تخرج في حوائجها بالنهار تكلموا فيه، والمختار أنها لا تخرج؛ لأنها هي التي أبطلت حقها في النفقة فلم يصح الإبطال فيما يؤدي إلى إبطال حق الشرع. ا هـ. (قوله: لا الموت والمعصية) أي لا تجب النفقة لمعتدة الموت ولا لمعتدة وقعت الفرقة بينها وبين زوجها بمعصية من جهتها كالردة وتقبيل ابن الزوج أما المتوفى عنها زوجها فلأن احتباسها ليس لحق الزوج، بل لحق الشرع فإن التربص عبادة منها ألا ترى أن معنى التعريف عن براءة الرحم ليس بمراعى فيه حتى لا يشترط فيه الحيض فلا تجب نفقتها عليه؛ ولأن النفقة تجب شيئا فشيئا ولا ملك له بعد الموت فلا يمكن إيجابها في ملك الورثة أطلقه فشمل ما إذا كانت حاملا لكن قال في الظهيرية، وإذا أنفق الوصي على الحامل للحمل فضمنوه يرجع على المرأة بما أنفق إلا أن يكون ذلك بإذن القاضي؛ لأن عليا وشريحا كانا يريان ذلك للحمل من جميع المال ا هـ. وشمل السكنى والنفقة فلا سكنى لها أيضا، كذا في المبسوط، وأما الفرقة بمعصية من جهتها فلأنها صارت حابسة نفسها بغير حق فصارت كما إذا كانت ناشزة بخلاف المهر بعد الدخول؛ لأنه وجد التسليم في حق المهر بالوطء قيد بالمعصية أي بمعصيتها؛ لأن الفرقة من قبلها بغير معصية كخيار العتق وخيار البلوغ والتفريق لعدم الكفاءة لا تسقط نفقتها؛ لأنها حبست نفسها بحق كما إذا حبست نفسها لاستيفاء المهر، فالحاصل أن الفرقة إما من قبله أو من قبلها فإن كانت من قبله فلها النفقة مطلقا سواء كانت بمعصية أو بغير معصية طلاقا كانت أو فسخا كطلاقه ولعانه وعنته أو تقبيله بنت زوجته أو إيلائه مع عدم فيئه حتى مضت أربعة أشهر أو إبائه عن الإسلام إذا أسلمت هي أو ارتد هو فعرض عليه الإسلام فلم يسلم وإن كانت من قبلها فإن كانت بمعصية فلا نفقة لها، وأما السكنى فقالوا بوجوبها كما في الخانية وشرح الطحاوي وفي فتح القدير لها السكنى في جميع الصور؛ لأن القرار في منزل الزوج حق عليها ولا تسقط بمعصيتها، أما النفقة فحق لها فتجازى بسقوطها لمعصيتها وبما قررناه علم أن المصنف لو قال ولمعتدة الطلاق أو الفسخ إلا إذا وقعت الفرقة في معصيتها فلا نفقة لها إلا السكنى لكان أولى فإن كلامه خال عن معتدة الفسخ، والمعصية شاملة لمعصيتها وفي الذخيرة وفرق بين النفقة وبين المهر فإن الفرقة إذا جاءت من قبل المرأة قبل الدخول يسقط المهر سواء كانت عاصية أو محقة؛ لأن المهر عوض من كل وجه ولهذا لا يسقط بموت أحدهما فإذا فات العوض بمعنى من جهة من له العوض سقط فأما النفقة فعوض من وجه صلة من وجه فإذا كان بينهما اعتبر عوضا متى جاء بسبب هو معصية وصلة متى جاءت بحق. (قوله: وردتها بعد البت تسقط نفقتها لا تمكين ابنه) يعني لو طلقها بائنا، ثم ارتدت سقطت نفقتها، ولو مكنت ابن زوجها بعد البينونة لا تسقط مع أن الفرقة فيهما بالطلاق لا من جهتها بمعصية؛ لأن المرتدة تحبس حتى تتوب ولا نفقة للمحبوسة والممكنة لا تحبس فلهذا تقع الفرقة وفي الحقيقة لا فرق بين المسألتين؛ لأن المرتدة بعد البينونة لو لم تحبس تجب لها النفقة كما في غاية البيان والمحيط كالممكنة، والممكنة إذا لم تلزم بيت العدة لا نفقة لها، فليس للردة أو التمكين دخل في الإسقاط وعدمه، بل إن وجد الاحتباس في بيت العدة وجبت وإلا فلا، ولو حبست المعتدة للردة، ثم تابت ورجعت تجب النفقة لعود الاحتباس كالناشزة إذا عادت لزوال المانع بخلاف المبانة بالردة إذا أسلمت لا تعود نفقتها لسقوط نفقتها أصلا بمعصيتها والساقط لا يعود، ولو لحقت بدار الحرب، ثم عادت وتابت فلا نفقة لها لسقوط العدة بالالتحاق حكما لتباين الدارين؛ لأنه بمنزلة الموت فانعدم السبب الموجب، قيد بالطلاق البائن؛ لأن المعتدة عن رجعي إذا طاوعت ابن زوجها أو قبلها بشهوة فلا نفقة لها؛ لأن الفرقة لم تقع بالطلاق وإنما وقعت بسبب وجد منها وهو معصيتها وأطلقه فشمل البائن بالواحدة أو بالثلاث وما في الهداية من تقييده بالثلاث اتفاقي، وفي المحيط الأصل أن كل امرأة لا نفقة لها يوم الطلاق، فليس لها النفقة أبدا إلا الناشزة كالمعتدة عن النكاح الفاسد والأمة المزوجة إذا لم يبوئها المولى بيتا ا هـ. ثم قال بعده: ولو طلقها وهي مبوأة فلها النفقة فإن أخرجها المولى بطلت فإن أعادها عادت النفقة فلو بوأها بعد الطلاق الرجعي وجبت النفقة؛ لأنها منكوحة بخلاف المبانة. (قوله: ولطفله الفقير) أي تجب النفقة والسكنى والكسوة لولده الصغير الفقير لقوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} فهي عبارة في إيجاب نفقة المنكوحات إشارة إلى أن نفقة الأولاد على الأب وأن النسب له وأنه لا يعاقب بسببه فلا يقتل قصاصا بقتله ولا يحد بوطء جاريته وإن علم بحرمتها وأن الأب ينفرد بتحمل نفقة الولد ولا يشاركه فيها أحد وأن الولد إذا كان غنيا والأب محتاجا لم يشارك الولد أحد في نفقة الوالد ذكره المصنف في شرح المنار قيد بالطفل وهو الصبي حين يسقط من البطن إلى أن يحتلم، ويقال جارية طفل وطفلة، كذا في المغرب وبه علم أن الطفل يقع على الذكر والأنثى؛ ولذا عبر به؛ لأن البالغ لا تجب نفقته على أبيه إلا بشروط نذكرها وقيد بالفقير؛ لأن الصغير إذا كان له مال فنفقته في ماله ولا بد من التقييد بالحرية لما أسلفناه أن الولد المملوك نفقته على مالكه لا على أبيه حرا كان الأب أو عبدا. والحاصل أن الأب لا يخلو إما أن يكون غنيا أو فقيرا والصغير كذلك فإن كان الأب والصغير غنيين فإن الأب ينفق عليه من مال نفسه إن كان حاضرا وإن كان مال الصغير غائبا وجبت على الأب فإذا أراد الرجوع أنفق عليه بإذن القاضي فلو أنفق بلا أمره ليس له الرجوع في الحكم إلا أن يكون أشهد أنه أنفق ليرجع، ولو لم يشهد لكنه أنفق بنية الرجوع لم يكن له رجوع في الحكم وفيما بينه وبين الله تعالى يحل له الرجوع وإن كان للصغير عقار أو أردية أو ثياب واحتيج إلى النفقة كان للأب أن يبيع ذلك كله وينفق عليه؛ لأنه غني بهذه الأشياء وإن كانا فقيرين فعند الخصاف أن الأب يتكفف الناس وينفق على أولاده الصغار. وقيل نفقتهم في بيت المال هذا إذا كان عاجزا عن الكسب وإن كان قادرا على الكسب اكتسب وأنفق فإن امتنع عن الكسب حبس بخلاف سائر الديون ولا يحبس والد وإن علا في دين ولده وإن سفل إلا في النفقة؛ لأن في الامتناع عن الإنفاق إتلاف النفس، وإذا لم يف كسبه بحاجته أو لم يكتسب لعدم تيسره أنفق عليهم القريب ورجع على الأب إذا أيسر وإن كان الأب غنيا والولد الصغير فقيرا فالنفقة على الأب إلى أن يبلغ الذكر حد الكسب وإن لم يبلغ الحلم فإذا كان هذا كان للأب أن يؤاجره وينفق عليه من أجرته وليس له في الأنثى ذلك فلو كان الأب مبذرا يدفع كسب الابن إلى أمين كما في سائر أملاكه وإن كان الأب فقيرا والصغير غنيا لا تجب نفقته على أبيه، بل نفقة أبيه عليه، كذا في الذخيرة وذكر الولوالجي أن في كل موضع أوجبنا نفقة الولد فإنه يدخل فيه أولاده وأولاد البنات والبنين وفي الذخيرة أن الأم إذا خاصمت في نفقة الأولاد فإن القاضي يفرض على الأب نفقة الصغار الفقراء ويدفع النفقة إليها؛ لأنها أرفق بالأولاد فإن قال الأب إنها لا تنفق وتضيق عليهم لا يقبل قوله؛ لأنها أمينة ودعوى الخيانة على الأمين لا تسمع من غير حجة فإن قال للقاضي سل جيرانها فالقاضي يسأل جيرانها احتياطا. وإنما يسأل من كان يداخلها فإن أخبر جيرانها بما قال الأب زجرها القاضي ومنعها عن ذلك نظرا لهم ومن مشايخنا من قال إذا وقعت المنازعة بين الزوجين كذلك وظهر قدر النفقة فالقاضي بالخيار إن شاء دفعها إلى ثقة يدفعها إليها صباحا ومساء ولا يدفع إليها جملة وإن شاء أمر غيرها أن ينفق على الأولاد، وإذا صالحت المرأة زوجها على نفقة الأولاد الصغار موسرا كان الزوج أو معسرا جاز واختلف المشايخ في طريق جواز هذا الصلح فقال بعضهم: لأن الأب هو العاقد من الجانبين كبيعه مال ولده الصغير من نفسه وشرائه كذلك، وقال بعضهم: لأن العاقد الأب من جانب نفسه والأم من جانب الصغار؛ لأن نفقتهم من أسباب التربية والحضانة وهي للأم، ثم ينظر إن كان ما وقع عليه الصلح أكثر من نفقتهم بزيادة يسيرة فهو عفو وهي ما تدخل تحت تقدير القدير وإن كان لا تدخل طرحت عنه وإن كان المصالح عليه أقل بأن كان لا يكفيهم يزاد إلى مقدار كفايتهم. (قوله: ولا تجبر أمه لترضع)؛ لأنه كالنفقة وهي على الأب وعسى لا تقدر فلا تجبر عليه قضاء وتؤمر به ديانة؛ لأنه من باب الاستخدام وهو واجب عليها ديانة كما قدمناه أطلقه فشمل ما إذا كان الأب لا يجد من يرضعه أو كان الولد لا يأخذ ثدي غيرها ونقل الزيلعي والأتقاني أنه ظاهر الرواية؛ لأنه يتغذى بالدهن وغيره من المائعات فلا يؤدي إلى ضياعه ونقل عدم الإجبار في هذه الحالة في المجتبى عن البعض، ثم قال والأصح أنها تجبر عند الكل ا هـ. وجزم به في الهداية وفي الخانية وعليه الفتوى وذكر في فتح القدير أنه الأصوب؛ لأن قصر الرضيع الذي لم يأنس الطعام على الدهن والشراب سبب تمريضه وموته ا هـ. وفي الخانية وإن لم يكن للأب ولا للولد الصغير مال تجبر الأم على الإرضاع عند الكل ا هـ. فمحل الخلاف عند قدرة الأب بالمال وفي غاية البيان معزيا إلى التتمة عن إجارة العيون عن محمد فيمن استأجر ظئرا لصبي شهرا فلما انقضى الشهر أبت أن ترضعه والصبي لا يقبل ثدي غيرها قال أجبرها أن ترضع. (قوله: ويستأجر من يرضعه عندها) أي ويستأجر الأب من يرضع الطفل عند الأم؛ لأن الحضانة لها والنفقة عليه أطلقه هنا وقيده في الهداية بإرادة الأم للحضانة وهو مبني على ما صححه من أن الأم لا تجبر عليها؛ لأنها حقها وعلى ما اختاره الفقهاء الثلاثة من الجبر، فليس معلقا بإرادتها؛ لأنها حق الصبي عليها وفي الذخيرة لا يجب على الظئر أن تمكث في بيت الأم إذا لم يشترط عليها ذلك وقت العقد وكان الولد يستغني عن الظئر في تلك الحالة، بل لها أن ترضع وتعود إلى منزلها كما لها أن تحمل الصبي إلى منزلها أو تقول أخرجوه فترضعه عند فناء الدار، ثم ندخل الولد على الوالدة إلا أن يشترط عند العقد أن الظئر تكون عند الأم فحينئذ يلزمها الوفاء بذلك الشرط ا هـ. وفي الخزانة عن التفاريق لا تجب في الحضانة أجرة المسكن الذي يحضن فيه الصبي، وقال آخرون تجب إن كان للصبي مال وإلا فعلى من يجب عليه نفقته. ا هـ. (قوله: لا أمه لو منكوحة أو معتدة) أي لا يستأجر أمه لو منكوحته أو معتدته؛ لأن الإرضاع مستحق عليها ديانة قال الله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} إلا أنها عذرت لاحتمال عجزها فإذا أقدمت عليه بالأجر ظهرت قدرتها فكان الفعل واجبا عليها فلا يجوز أخذ الأجرة عليه أطلق في المعتدة فشمل المعتدة عن رجعي أو بائن وهو في الرجعي رواية واحدة وفي البائن في رواية وفي رواية أخرى جاز استئجارها؛ لأن النكاح قد زال وجه الأول أنه باق في حق بعض الأحكام، كذا في الهداية من غير ترجيح صريح وإن كان تأخير وجه المنع يدل على أنه المختار عنده كما هو عادته وصحح في الجوهرة الجواز فكان الأولى للمصنف أن يقيد المعتدة بالرجعي وذكر في فتح القدير عن بعضهم أن ظاهر الرواية الجواز وقيد بالأم؛ لأنه لو استأجر منكوحته لترضع ولده من غيرها جاز؛ لأنه لم يجب عليها إرضاعه بخلاف الأم؛ لأنه وجب عليها إرضاعه ديانة كما قدمناه عن الهداية وظاهره أنه لا يجوز لها أخذ الأجر من مال الصغير لو كان له مال، لكن في الذخيرة هذا إذا لم يكن للصغير مال أما إذا كان له هل يجوز أن يفرض أجرة الرضاع في ماله ذكر الصدر الشهيد أنه روي عن محمد أنه يفرض في مال الصبي وهكذا ذكر في إجارات القدوري وليس فيه اختلاف الروايتين، ولكن ما روي عن محمد أنه يفرض في مال الصبي تأويله إذا لم يكن للأب مال وما ذكر أن الزوج إذا استأجرها لا يجوز تأويله إذا فرض أجرة الرضاع من مال نفسه فلا تستحق ذلك كي لا يؤدي إلى اجتماع أجرة الرضاع مع نفقة النكاح في مال واحد، وهذا المعنى لا يتحقق إذا فرض لها في مال الصغير فقلنا إنها تستحق ذلك ا هـ. فالحاصل أن على تعليل صاحب الهداية لا تأخذ شيئا في مقابلة الإرضاع لا من الزوج ولا من مال الصغير لوجوبه عليها وعلى ما علل به في الذخيرة من أن المنع إنما هو لاجتماع واجبين في مال وفي المجتبى لو استأجر زوجته من مال الصبي لإرضاعه جاز وفي ماله لا يجوز حتى لا يجتمع عليه نفقة النكاح والإرضاع ا هـ. (قوله: وهي أحق بعدها ما لم تطلب زيادة) أي الأم أحق بإرضاع ولدها من الأجنبية بعد انقضاء العدة ما لم تطلب أجرة زائدة على أجرة الأجنبية للإرضاع، فحينئذ لا تكون أحق وإنما جاز لها أخذ الأجرة بعد انقضاء عدتها؛ لأن النكاح قد زال بالكلية وصارت كالأجنبية فإن قلت إن وجوب الإرضاع عليها هو المانع من أخذ الأجرة وهو بعينه موجود بعد انقضائها، فليست كالأجنبية قلت إن الوجوب عليها مقيد بإيجاب رزقها على الأب بقوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن}. ففي حال الزوجية والعدة هو قائم برزقها وفيما بعد العدة لا يقوم بشيء فتقوم الأجرة مقامه كما في فتح القدير وإنما كانت أحق؛ لأنها أشفق فكان نظرا للصبي في الدفع إليها وإن التمست زيادة لم يجبر الزوج عليها دفعا للضرر عنه وإليه الإشارة بقوله تعالى: {لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده}. أي بإلزامه لها أكثر من أجرة الأجنبية وفي الذخيرة لو صالحت المرأة زوجها عن أجر الرضاع على شيء إن كان الصلح حال قيام النكاح أو في العدة عن طلاق رجعي لا يجوز وإن كان عن طلاق بائن واحدة أو ثلاثا جاز على إحدى الروايتين؛ لأن الصلح على أن يعطيها شيئا لترضع ولدها استئجار لها، وإذا جاز الصلح فهو كما لو استأجرها على عمل آخر من الأعمال على دراهم وصالحها عن تلك الدراهم على شيء بعينه جاز وإن صالح عنها على شيء بغير عينه لا يجوز إلا أن يدفع ذلك في المجلس حتى لا يكون بيع دين بدين وفي كل موضع جاز الاستئجار ووجبت النفقة لا تسقط بموت الزوج؛ لأنها أجرة وليست بنفقة ا هـ. وكذا ذكر في الولوالجية لا تسقط هذه الأجرة بموته، بل تكون أسوة الغرماء ا هـ. فالحاصل أنه أجرة فلذا لا تتوقف على القضاء وظاهر المتون أن الأم لو طلبت الأجرة أي أجرة المثل، والأجنبية متبرعة بالإرضاع فالأم أولى؛ لأنهم جعلوا الأم أحق في سائر الأحوال إلا في حالة طلب الزيادة على أجرة الأجنبية والمصرح به بخلافه كما في التبيين وغيره أن الأجنبية أولى لكن هي أولى في الإرضاع أما في الحضانة ففي الولوالجية وغيرها رجل طلق امرأته وبينهما صبي وللصبي عمة أرادت أن تربيه وتمسكه من غير أجر من غير أن تمنع الأم عنه، والأم تأبى ذلك وتطالب الأب بالأجر ونفقة الولد فالأم أحق بالولد وإنما يبطل حق الأم إذا تحكمت الأم في أجرة الإرضاع بأكثر من أجرة مثلها والصحيح أنه يقال للوالدة إما أن تمسكي الولد بغير أجر وإما أن تدفعيه إلى العمة ا هـ. ولم أر من صرح بأن الأجنبية كالعمة في أن الصغير يدفع إليها إذا كانت متبرعة والأم تريد الأجرة على الحضانة ولا تقاس على العمة؛ لأنها حاضنة في الجملة، وقد كثر السؤال عن هذه المسألة في زماننا وهو أن الأب يأتي بأجنبية متبرعة بالحضانة فهل يقال للأم كما يقال لو تبرعت العمة وظاهر المتون أن الأم تأخذ بأجرة المثل ولا تكون الأجنبية أولى بخلاف العمة على الصحيح إلا أن يوجد نقل صريح في أن الأجنبية كالعمة والظاهر أن العمة ليست قيدا، بل كل حاضنة كذلك، بل الخالة كذلك بالأولى؛ لأنها من قرابة الأم، ثم اعلم أن ظاهر الولوالجية أن أجرة الرضاع غير نفقة الولد وهو للمغايرة فإذا استأجر الأم للإرضاع لا يكفي عن نفقة الولد؛ لأن الولد لا يكفيه اللبن، بل يحتاج معه إلى شيء آخر كما هو المشاهد خصوصا الكسوة فيقرر القاضي له نفقة غير أجرة الإرضاع وغير أجرة الحضانة فعلى هذا تجب على الأب ثلاثة أجرة الرضاع وأجرة الحضانة ونفقة الولد أما أجرة الرضاع فقد صرحوا بها هنا، وأما أجرة الحضانة فصرح به قارئ الهداية في فتاواه، وأما نفقة الولد فقد صرحوا بها في الإجارات في إجارة الظئر قال الزيلعي فيها والطعام والثياب على الوالد وما ذكره محمد في الدهن والريحان على الظئر فهو على عادة أهل الكوفة ا هـ. فالحاصل أن الأم ليس عليها إلا الإرضاع وإصلاح طعامه وغسل ثيابه لكن في الخانية وبعد الفطام يفرض القاضي نفقة الصغير على طاقة الأب ويدفع إلى الأم حتى تنفق على الأولاد ا هـ. إلا أن يقال إن مراده النفقة الكاملة بخلافها في زمن الرضاع فإنها قليلة وفي المجتبى، وإذا كان للصبي مال فمؤنة الرضاع ونفقته بعد الفطام في مال الصغير ومدة الرضاع ثلاثة أوقات أدنى وهو حول ونصف وأوسط وهو حولان ونصف حتى لو نقص عن الحولين لا يكون شططا، ولو زاد لا يكون تعديا فلو استغنى الولد دون الحولين ففطمته في حول ونصف بالإجماع ولا تأثم، ولو لم يستغن بحولين حل لها أن ترضعه بعدهما عند عامة المشايخ إلا عند خلف بن أيوب، وأما الكلام في استحقاق الأجرة فمنهم من قال إنه على الخلاف حتى أن المبانة تستحق إلى الحولين ونصف عنده، وعندهما إلى حولين فقط وأكثر المشايخ على أن مدة الرضاع في حق الأجرة حولان عند الكل حتى لا تستحق بعد الحولين إجماعا وتستحق في الحولين إجماعا، وظاهر كلامهم أن وجوب أجرة الرضاع لا تتوقف على عقد إجارة مع الأم، بل تستحقه بالإرضاع مطلقا في المدة المذكورة، وقد قدمنا أنه ليس بفقه وفي الظهيرية، وإذا أقرت المعتدة أنها قبضت نفقة أولادها الصغار لخمسة أشهر، ثم قالت إنها قبضت عشرين درهما، ونفقة خمسة أشهر مائة درهم لم تصدق على ذلك وإن قالت ضاعت النفقة فإنها ترجع على أبيهم بنفقتهم دون حصتها ا هـ. (قوله: ولأبويه وأجداده وجداته لو فقراء) أي تجب النفقة لهؤلاء أما الأبوان فلقوله تعالى: {وصاحبهما في الدنيا معروفا}، أنزلت في الأبوين الكافرين وليس من المعروف أن الابن يعيش في نعم الله تعالى ويتركهما يموتان جوعا، وأما الأجداد والجدات فلأنهما من الآباء والأمهات ولهذا يقوم الجد مقام الأب عند عدمه؛ ولأنهم تسببوا لإحيائه فاستوجبوا عليه الإحياء بمنزلة الأبوين وشرط الفقر؛ لأنه لو كان ذا مال فإيجاب النفقة في ماله أولى من إيجابها في مال غيره بخلاف نفقة الزوجة حيث تجب مع الغنى؛ لأنها تجب لأجل الحبس الدائم كرزق القاضي، ولو ادعى الولد غنى الأب وأنكر الأب فالقول للأب والبينة للابن وفي المبتغى بالمعجمة إذا كان الأب محتاجا وأبى الابن أن ينفق عليه وليس ثمة قاض يرفع الأمر إليه له أن يسرق من مال ابنه وبوجود قاض ثمة يأثم بسرقة ماله وبإعطاء الابن ما لا يكفيه يجوز له أن يأخذ إلى أن تقع الكفاية وبسرقته ما فوق الكفاية يأثم، وكذا إذا لم يكن محتاجا ولم تكن نفقته عليه لا يجوز له أن يسرق مال ابنه ا هـ. وأطلق في الابن ولم يقيده بالغنى مع أنه مقيد به لما في شرح الطحاوي ولا يجبر الابن على نفقة أبويه المعسرين إذا كان معسرا إلا إذا كان بهما زمانة أو بهما فقر فقط فإنهما يدخلان مع الابن ويأكلان معه ولا يفرض لهما نفقة على حدة ا هـ. وفي الخانية ولا يجب على الابن الفقير نفقة والده الفقير حكما إذا كان الوالد يقدر على العمل وإن كان الوالد لا يقدر على عمل أو كان زمنا وللابن عيال كان على الابن أن يضم الأب إلى عياله وينفق على الكل والموسر في هذا الباب من يملك مالا فاضلا عن نفقة عياله ويبلغ الفاضل مقدارا تجب فيه الزكاة ا هـ. وفي الخلاصة المختار في الفقير الكسوب أن يدخل الأبوين في النفقة وقيد بفقرهم فقط؛ لأنه لو كان فقيرا وله قدرة على الكسب فإن الابن يجبر على نفقته وهو قول السرخسي، وقال الحلواني لا يجبر إذا كان الأب كسوبا؛ لأنه غني باعتبار الكسب فلا ضرورة في إيجاب النفقة على الغير، وإذا كان الابن قادرا على الكسب لا تجب نفقته على الأب فلو كان كل منهما كسوبا يجب أن يكتسب الابن وينفق على الأب فالمعتبر في إيجاب نفقة الوالدين مجرد الفقر قيل هو ظاهر الرواية؛ لأن معنى الأذى في إيكاله إلى الكد والتعب أكثر منه في التأفيف المحرم بقوله تعالى: {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما}، كذا في فتح القدير والقائل بأنه ظاهر الرواية صاحب الذخيرة والضمير في قوله ولأبويه يعود إلى الإنسان المفهوم فأفاد بإطلاقه أنه لا فرق بين الذكر والأنثى وفي الهداية وهي على الذكور والإناث بالسوية في ظاهر الرواية وهو الصحيح؛ لأن المعنى يشملهما ا هـ. وفي الخلاصة وبه يفتى وفي فتح القدير وهو الحق لتعلق الوجوب بالولاد وهو يشملهما بالسوية بخلاف غير الولاد؛ لأن الوجوب علق فيه بالإرث ا هـ. وفي الخانية فإن كان للفقير ابنان أحدهما فائق في الغنى والآخر يملك نصابا كانت النفقة عليهما على السواء، وكذا لو كان أحدهما مسلما والآخر ذميا فهي عليهما على السواء ا هـ. وذكر في الذخيرة فيه اختلافا وعزا ما في الخانية إلى مبسوط محمد ونقل عن الحلواني أنه قال قال مشايخنا هذا إذا تفاوتا في اليسار تفاوتا يسيرا أما إذا تفاوتا فيه تفاوتا فاحشا يجب أن يتفاوتا في قدر النفقة وأشار بقوله ولأبويه إلى أن جميع ما وجب للمرأة يجب للأب والأم على الولد من طعام وشراب وكسوة وسكنى حتى الخادم قال في الخانية وكما يجب على الابن الموسر نفقة والده الفقير تجب عليه نفقة خادم الأب امرأة كانت الخادم أو جارية إذا كان الأب محتاجا إلى من يخدمه ا هـ. وفي الخلاصة يجبر الابن على نفقة زوجة أبيه ولا يجبر الأب على نفقة زوجة ابنه وفي نفقات الحلواني قال فيه روايتان في رواية كما قلناه، وفي رواية إنما تجب نفقة زوجة الأب إذا كان الأب مريضا أو به زمانة يحتاج إلى الخدمة أما إذا كان صحيحا فلا قال في المحيط فعلى هذا لا فرق بين الأب والابن فإن الابن إذا كان بهذه المثابة يجبر الأب على نفقة خادمه ا هـ. وظاهر ما في الذخيرة أن المذهب عدم وجوب نفقة امرأة الأب أو جاريته أو أم ولده حيث لم يكن بالأب علة وأن القول بالوجوب مطلقا إنما هو رواية عن أبي يوسف وفي الذخيرة أيضا، ثم إذا قضى القاضي بالنفقة على الولدين للأب فأبى أحدهما أن يعطي للأب ما يجب عليه فالقاضي يأمر الآخر بأن يعطي كل النفقة، ثم يرجع على الأخ بحصته ا هـ. ومراد المصنف من إيجاب نفقة الأم على الولد إذ لم تكن متزوجة؛ لأنها على الزوج كبنته المراهقة إذا زوجها صارت نفقتها على زوجها وقدمنا أن الزوج لو كان معسرا فإن الابن يؤمر بأن يقرضها، ثم يرجع عليه إذا أيسر، وقد صرح به في الذخيرة هنا أيضا قال فإن أبى الابن أن يقرضها النفقة فرض لها عليه النفقة وتؤخذ منه وتدفع إليها؛ لأن الزوج المعسر بمنزلة الميت وأشار المصنف بقوله ولأبويه إلى أن الاعتبار في وجوب نفقة الوالدين والمولدين إنما هو القرب والجزئية ولا يعتبر الميراث، قالوا وإذا استويا في القرب تجب على من له نوع رجحان، وإذا لم يكن لأحدهما رجحان فحينئذ تجب النفقة بقدر الميراث فإن كان للفقير ولد وابن ابن موسرين فالنفقة على الولد؛ لأنه أقرب. وإذا كانت له بنت وابن ابن فالنفقة على البنت خاصة وإن كان الميراث بينهما؛ لأن البنت أقرب، وإذا كانت له بنت أو ابن بنت وأخ لأب وأم فالنفقة على ولد البنت ذكرا كان أو أنثى وإن كان الميراث للأخ لا لولد البنت، ولو كان له والد وولد موسران فالنفقة على ولده وإن استويا في القرب لترجح الولد بتأويل: «أنت ومالك لأبيك»، ولو كان له جد وابن ابن فالنفقة عليهما على قدر ميراثهما على الجد السدس والباقي على ابن الابن والدليل على عدم اعتبار الميراث في هذه النفقة أنه لو كان أحدهما ذميا فالنفقة عليهما وإن كان الميراث للمسلم منهما، ولو كان للمسلم الفقير ابن نصراني وأخ مسلم فالنفقة - على الابن والميراث للأخ، ولو كان للفقير بنت ومولى عتاقة موسران فالنفقة على البنت وإن استويا في الميراث، كذا في الذخيرة وأطلق المصنف في الجد فشمل أب الأب وأب الأم جزم به في الذخيرة وغيرها، نقل الاختلاف في أب الأم وأطلق في الجدة فشمل الجدة من قبل الأب والجدة من قبل الأم وفي الولوالجية الأب إذا أخذ النفقة والكسوة المفروضتين معجلة فضاع ذلك يفرض له أخرى فلو مضت المدة وهي باقية لا يفرض له أخرى بخلاف الزوجة فيهما، وقد ذكرنا الفرق فيها في أول باب النفقات. (قوله: ولا تجب مع اختلاف الدين إلا بالزوجية والولاد) أما الزوجية فلما ذكرنا أنها واجبة لها بالعقد لاحتباسها بحق مقصود له، وهذا لا يتعلق باتحاد الملة، وأما غيرها فلأن الجزئية ثابتة وجزء المرء في معنى نفسه فكما لا تمتنع نفقة نفسه بكفره لا تمتنع نفقة جزئه إلا أنهم إذا كانوا حربيين لا تجب نفقتهم على المسلم وإن كانوا متساويين؛ لأنا نهينا عن البر في حق من يقاتلنا في الدين أطلق في الولاد فشمل الأبوين والأجداد والجدات والولد وولد الولد وفي المستصفى صورته تزوج ذمي ذمية وحصل لهما ولد، ثم أسلمت الذمية حكم بإسلام الولد تبعا لها والنفقة على الأب، وهذا قبل عروض الإسلام ويحتمل أن يعتقد الكفر في صغره، وكفره صحيح عند أبي حنيفة ومحمد ا هـ. وقيد بالزوجية والولاد؛ لأن فيما عدا ذلك لا تجب مع اختلاف الدين فلا يجب على المسلم نفقة أخيه النصراني وعكسه؛ لأن النفقة متعلقة بالإرث بالنص بخلاف العتق عند الملك؛ لأنه متعلق بالقرابة والمحرمية بالحديث؛ ولأن القرابة موجبة للصلة ومع الاتفاق في الدين آكد ودوام ملك اليمين أعلى في القطية من حرمان النفقة فاعتبرنا في الأصل أصل العلة وفي الأدنى العلة المؤكدة فلهذا افترقا. (قوله: ولا يشارك الأب والولد في نفقة ولده وأبويه أحد) أما نفقة الولد فقدمناها، وأما نفقة الوالدين فلأن لهما تأويلا في مال الولد بالنص ولا تأويل لهما في مال غيره؛ ولأنه أقرب الناس إليهما فكان الأولى باستحقاق نفقتهما عليه أطلق في الأب فشمل الموسر والمعسر لكن في الذخيرة إن كان الأب معسرا والأم موسرة أمرت أن تنفق من مالها على الولد فيكون دينا ترجع عليه إذا أيسر؛ لأن نفقة الصغير على الأب وإن كان معسرا كنفقة نفسه فكانت الأم قاضية حقا واجبا عليه بأمر القاضي فترجع عليه إذا أيسر، ثم جعل الأم أولى بالتحمل من سائر الأقارب حتى لو كان الأب معسرا والأم موسرة وللصغير جد موسر تؤمر الأم بالإنفاق من مال نفسها، ثم ترجع على الأب ولا يؤمر الجد بذلك؛ لأنها أقرب إلى الغير، ولو كان الأب واجدا للنفقة لكن امتنع من النفقة على الصغير ففرض القاضي النفقة على الأب فامتنع عن الأداء فالقاضي يأمرها أن تستدين عليه وتنفق على الغير لترجع بذلك على الأب، وكذلك لو غاب الأب بعد فرض نفقة الأولاد وتركهم بلا نفقة فاستدانت بأمر القاضي وأنفقت عليهم رجعت عليه، وكذلك هذا الحكم في مؤنة الرضاع إذا كان الأب معسرا فالقاضي يأمر الأم بالاستدانة فإذا أيسر رجعت عليه بالقدر الذي أمرها القاضي بالاستدانة وإن لم تستدن بعد الفرض لكن كانوا يأكلون من مسألة الناس فلا رجوع لها لوقوع الاستغناء فإن كانوا أعطوا مقدار نصف الكفاية سقط نصف النفقة عن الأب وتصح الاستدانة في النصف الباقي وعلى هذا القياس، وكذا في نفقة المحارم وسيأتي تمامه. ولو كان للفقير أولاد صغار وجد موسر لم تفرض النفقة على الجد، ولكن يؤمر الجد بالإنفاق صيانة لولد الولد ويكون ذلك دينا على والد الصغار وهكذا ذكر القدوري فلم يجعل النفقة على الجد حال عسرة الأب، وقد ذكرنا في أول هذا الفصل أن الأب الفقير يلحق بالميت في استحقاق النفقة على الجد، وهذا هو الصحيح من المذهب وما ذكره القدوري قول الحسن بن صالح هكذا ذكر الصدر الشهيد في أدب القاضي للخصاف وإن كان الأب زمنا قضي بنفقة الصغار على الجد ولم يرجع على أحد بالإنفاق؛ لأن نفقة الأب في هذه الحالة على الجد فكذا نفقة الصغار، وعن أبي يوسف في صغير له والد محتاج وهو زمن فرضت نفقته على قرابته من قبل أبيه دون أمه وكل من يجبر على نفقة الأب يجبر على نفقة الغلام فإن لم يكن له قرابة من قبل أبيه قضيت بالنفقة على أبيه وأمرت قرابة الأم بالإنفاق فيكون دينا على الأب، وهذا الجواب إنما يستقيم إذا لم يكن في قرابة الأم من يكون محرما للصغير ويكون أهلا للإرث؛ لأن شرط وجوب النفقة في غير قرابة الولاد المحرمية وأهلية الإرث فأما إذا كان في قرابة الأم من كان محرما للصغير وهو أهل للإرث تجب عليه النفقة ويلحق الأب المعسر بالميت لما ذكرناه ا هـ. وحاصله أن الوجوب على الأب المعسر إنما هو إذا أنفقت الأم الموسرة وإلا فالأب كالميت والوجوب على غيره لو كان ميتا ولا رجوع عليه في الصحيح وعلى هذا فلا بد من إصلاح المتون والشروح كما لا يخفى وأطلق في قوله في نفقة ولده فشمل الصغير والكبير الزمن وفي رواية أن نفقة الكبير تجب على الأبوين أثلاثا باعتبار الإرث بخلاف الصغير والظاهر الأول. (قوله: ولقريب محرم فقير عاجز عن الكسب بقدر الإرث لو موسرا) أي تجب النفقة للقريب إلى آخره؛ لأن الصلة في القرابة القريبة واجبة دون البعيدة والفاصل أن يكون ذو رحم محرم، وقد قال تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك}، وفي قراءة عبد الله بن مسعود وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك قيد بالقريب؛ لأن المحرم الذي ليس بقريب كالأخ من الرضاع تجب نفقته وقيد بالمحرم؛ لأن الرحم غير المحرم لا تجب نفقته كابن العم وإن كان وارثا ولا بد أن تكون المحرمية بجهة القرابة؛ لأنه لو كان قريبا محرما لا من جهتها كابن العم إذا كان أخا من الرضاع فإنه لا نفقة له، كذا في شرح الطحاوي. فلو كان له خال وابن عم فالنفقة على الخال لمحرميته لا على ابن العم وإن كان وارثا؛ لأن المراد من الوارث في الآية من هو أهل للميراث لا كونه وارثا حقيقة إذ لا يتحقق ذلك إلا بعد الموت والخال في الجملة سواء كان وارثا في هذه الحالة أو لم يكن، وعند الاستواء في المحرمية وأهلية الإرث يرجح من كان وارثا حقيقة في هذه الحالة حتى إذا كان له عم وخال فالنفقة على العم؛ لأنهما استويا في المحرمية ويترجح العم على الخال لكونه وارثا حقيقة، وكذلك إذا كان له عم وعمة وخالة فالنفقة على العم لا غير إن كان موسرا وإن كان معسرا فالنفقة على العمة والخالة أثلاثا على قدر ميراثهما ويجعل العم كالميت وفي القنية يجبر الأبعد إذا غاب الأقرب وقيد بالفقر؛ لأن الغني نفقته على نفسه وقيدنا بالعجز عن الكسب وهو بالأنوثة مطلقا وبالزمانة والعمى ونحوها في الذكر فنفقة المرأة الصحيحة الفقيرة على محرمها فلا يعتبر في الأنثى إلا الفقر، وأما البالغ الفقير فلا بد من عجزه بزمانة أو عمى أو فقء العينين أو شلل اليدين أو مقطوع الرجلين أو معتوه أو مفلوج زاد في التبيين أن يكون من أعيان الناس يلحقه العار من التكسب أو طالب علم لا يتفرغ لذلك وفي المجتبى البالغ إذا كان عاجزا عن الكسب وهو صحيح فنفقته على الأب وهكذا قالوا في طالب العلم إذا كان لا يهتدي إلى الكسب لا تسقط نفقته عن الأب بمنزلة الزمن والأنثى ا هـ. وفي القنية والظاهر أنه لم يخف على أبي حامد قول السلف بوجوب نفقة طالب العلم على الأب لكن أفتى بعدم وجوبها لفساد أحوال أكثر طلبة العلم فإن من كان منهم حسن السير مشتغلا بالعلوم النافعة يجبر الآباء على الإنفاق عليهم وإنما يطالبهم فساق المبتدعة الذين شرهم أكثر من خيرهم يحضرون الدرس ساعة بخلافيات ركيكة ضررها في الدين أكثر من نفعها، ثم يشتغلون طول النهار بالسخرية والغيبة والوقوع في الناس مما يستحقون به لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فيقذف الله البغض في قلوب آبائهم وينزغ عنهم الشفقة فلا يعطون مناهم في الملابس والمطاعم فيطالبونهم بالنفقة ويؤذونهم مع حرمة التأفيف، ولو علموا بسيرتهم السلف لحرموا الإنفاق عليهم ومن كان بخلافهم نادر في هذا الزمان فلا يفرد بالحكم دفعا لحرج التمييز بين المصلح والمفسد قلت: لكن نرى طلبة العلم بعد الفتنة العامة المشتغلين بالفقه والأدب اللذين هما قواعد الدين وأصول كلام العرب والاشتغال بالكسب يمنعهم عن التحصيل ويؤدي إلى ضياع العلم والتعطيل فكان المختار الآن قول السلف وهفوات البعض لا تمنع وجوب النفقة كالأولاد والأقارب ا هـ. واختلفوا في حد المعسر الذي يستحق هذه النفقة فقيل هو الذي تحل له هذه الصدقة، وقيل هو المحتاج والذي له منزل وخادم هل يستحق النفقة على قريبه الموسر فيه اختلاف الرواية في رواية لا يستحق حتى لو كانت أختا لا يؤمر الأخ بالإنفاق عليها، وكذا لو كانت بنتا أو أما في رواية تستحق وهو الصواب، كذا في البدائع وأطلق المصنف فيما تجب عليه النفقة فشمل الصغير الغني والصغيرة الغنية فيؤمر الوصي بدفع نفقة قريبهما المحرم بشرطه، كذا في أنفع الوسائل أيضا وقدمناه وأفاد بقوله بقدر الميراث أنه لو تعدد من تجب عليه النفقة فإنها تقسم عليهم بقدر ميراثهم؛ لأن الله أوجب النفقة باسم الوارث فوجب التقدير به فإذا كان للصغير أم وعم أو أم وأخ لأب وأم فالنفقة عليهما على قدر الميراث، وكذلك الرضاع عليهما أثلاثا؛ لأن الرضاع نفقة الولد فتكون عليهما كنفقته بعد الفطام وروى الحسن عن أبي حنيفة أن في النفقة بعد الفطام الجواب هكذا، وأما ما يحتاج إليه من النفقة قبل الفطام الرضاع كله على الأم؛ لأنها موسرة باللبن والعم معسر في ذلك، ولكن في ظاهر الرواية قدرة العم على تحصيل ذلك بما له يجعله موسرا فيه فلهذا كان بينهما أثلاثا فإن كان العم فقيرا والأم غنية فالكل على الأم وإن كان له أم وأخ لأم وأب أو أخ لأب وعم أغنياء فالرضاع على الأم والأخ أثلاثا بحسب الميراث؛ لأن العم ليس بوارث في هذه الحالة فيترجح الأخ على العم. وإذا كان للفقير الزمن ابن صغير معسر وليس بزمن ولهذا المعسر ثلاثة إخوة متفرقين أهل يسار فنفقة الرجل على الأخ من الأب والأم والأخ من الأم أسداسا؛ لأن الابن الصغير المعسر يجعل كالمعدوم في حق إيجاب النفقة على الغير وما لم يجعل الابن كالمعدوم لا تصير الإخوة ورثة فيتعذر إيجاب النفقة عليهم حال قيام الابن فيجعل الابن كالمعدوم ويجعل الميراث بين الأخ لأب وأم وبين الأخ لأم أسداسا، ولو كان مكان الابن بنت فنفقة الأب على الأخ لأب وأم خاصة؛ لأنا لا نحتاج أن نجعلها كالمعدوم؛ لأنه يرث مع البنت، وقد تعذر إيجاب النفقة على البنت فيجب على الأخ لأب وأم ونفقة الصغير على العم والأم خاصة؛ لأن الأب المعسر كالمعدوم، وبعد الأب ميراث الولد للعم للأب والأم خاصة فكذا نفقة الولد عليهما فإن كان مكان الإخوة أخوات متفرقات فإن كان الولد ذكرا فنفقة الأب على الأخوات أخماسا؛ لأن أحدا من الأخوات لا يرث مع الابن فلا بد أن يجعل الابن كالمعدوم ليمكن إيجاب النفقة على الأخوات وبعد الابن ميراث الأب بين الأخوات أخماسا ثلاثة أخماسه للأخت لأب وأم وخمسه للأخت لأب وخمسه للأخت لأم فرضا وردا فالنفقة عليهم بحساب ذلك ونفقة الولد على الأخت لأب وأم خاصة عندنا؛ لأن الوالد المعسر نجعله كالمعدوم، وعند عدم الوالد ميراث الولد للعمة لأب وأم خاصة عندنا فالنفقة تكون عليها أيضا. وإذا كان الولد بنتا فنفقة الأب على الأخت لأب وأم خاصة؛ لأنها وارثة مع البنت فإن الأخوات مع البنات عصبة فلا تجعل البنت كالمعدوم، ولكن لو مات الأب كان نصف ميراثه للبنت والباقي للأخت لأب وأم، فكذا النفقة على الأخت لأب وأم ونفقة البنت على العمة لأب وأم خاصة عندنا؛ لأن الأب المحتاج جعل كالمعدوم، وعند انعدام الولد فميراث البنت يكون للعمة لأب وأم خاصة عندنا فكذا النفقة عليها وتمامه في الذخيرة وعلم مما ذكرناه أن الولد الكبير داخل تحت القريب المحرم فتجب نفقته على الأب بشرط العجز على رواية المبسوط وعلى ما ذكره الخصاف في نفقاته فهي على الأب والأم أثلاثا ثلثاها على الأب والثلث على الأم قال في الذخيرة، وإذا طلب الابن الكبير العاجز أو الأنثى أن يفرض له القاضي النفقة على الأب أجابه القاضي ويدفع ما فرض لهم إليهم؛ لأن ذلك حقهم ولهم ولاية الاستيفاء ا هـ. فعلى هذا لو قال الأب للولد الكبير أنا أطعمك ولا أدفع إليك شيئا لا يلتفت إليه، وكذا الحكم في نفقة كل محرم لكن لا يشترط يسار الأب لنفقة الولد الكبير العاجز؛ لأنه كالصغير كما في البدائع وشرط المصنف اليسار؛ لأن الفقير لا تجب عليه نفقة غير الأصول والفروع والزوجة واختلف في حد اليسار على أربعة أقوال مروية الأصح منها قولان أحدهما أنه مقدر بنصاب الزكاة قال في الخلاصة حتى لو انتقص منه درهم لا تجب وبه يفتى واختاره الولوالجي معللا بأن النفقة تجب على الموسر ونهاية اليسار لا حد لها وبدايته النصاب فيقدر به ا هـ. وثانيهما أنه نصاب حرمان الصدقة وهو النصاب الذي ليس بنام قال في الهداية وعليه الفتوى وصححه في الذخيرة؛ لأنه لم يشترط لوجوب صدقة الفطر غنى موجب الزكاة وإنما شرط غنى محرم للصدقة فكذا في حق إيجاب النفقة؛ لأن النفقة بصدقة الفطر أشبه منها بالزكاة؛ لأن في صدقة الفطر معنى المؤنة ومعنى الصدقة فإذا لم يشترط لوجوب صدقة الفطر غنى موجب للزكاة وهي صدقة من وجه مؤنة من وجه فلأن لا يشترط لوجوب النفقة موجب للزكاة وأنها مؤنة من كل وجه كان أولى ا هـ. ورجح الزيلعي رواية محمد التي قدرت اليسار بما يفضل عن نفقة نفسه وعياله شهرا إن كان من أهل الغلة وإن كان من أهل الحرف فهو مقدر بما يفضل عن نفقته ونفقة عياله كل يوم؛ لأن المعتبر في حقوق العباد القدرة دون النصاب وهو مستغن عما زاد على ذلك فيصرفه إلى أقاربه إذ المعتبر في حقوق العباد القدرة دون النصاب، وهذا أوجه ا هـ. وفي التحفة وقول محمد أرفق وفي غاية البيان ومال شمس الأئمة السرخسي إلى قول محمد ا هـ. ولم أر من أفتى به من مشايخنا فالاعتماد على القولين الأولين، والأرجح الثاني كما لا يخفى وقدمنا أن القول لمنكر اليسار والبينة لمدعيه وفي القنية له عم وجد أبو الأم فنفقته على أبي الأم وإن كان الميراث للعم، ولو كان له أم وأب لأم موسران فعلى الأم وفيه إشكال قوي؛ لأنه ذكر في الكتاب إذا كان له أم وعم موسران فالنفقة عليهما أثلاثا فلم يجعل الأم أقرب من العم وجعل في المسألة المتقدمة أب الأم أقرب من العم ولزم منه أن تكون النفقة على أب الأم مع الأم ومع هذا أوجبها على الأم ويتفرع من هذه الجملة فرع أشكل الجواب فيه وهو ما إذا كانت له أم وعم وأب لأم موسرون فيحتمل أن تجب على الأم لا غير؛ لأن أبا الأم لما كان أولى من العم والأم أولى من أبي الأم كانت الأم أولى من العم لكن بترك جواب الكتاب ويحتمل أن يكون على الأم والعم أثلاثا ا هـ. وفي الخانية صغير مات أبوه وله أم وجد أب الأب كانت النفقة عليهما أثلاثا الثلث على الأم والثلثان على جد الأب ا هـ. وبه علم أن الجد ليس كالأب فيها. (قوله: وصح بيع عرض ابنه لا عقاره للنفقة) والقياس أن لا يجوز له بيع شيء وهو قولهما؛ لأنه لا ولاية له لانقطاعها بالبلوغ ولهذا لا يملك حال حضرته ولا يملك البيع في دين له سوى النفقة، والمذكور في المختصر هو الاستحسان وهو قول الإمام رحمه الله؛ لأن للأب ولاية الحفظ في مال الغائب ألا ترى أن للوصي ذلك فللأب أولى لوفور شفقته وبيع المنقول من باب الحفظ ولا كذلك العقار؛ لأنها مختصة بنفسها قيد بالأب؛ لأن الأم وسائر الأقارب ليس لهم بيع شيء اتفاقا؛ لأنهم لا ولاية لهم أصلا في التصرف حالة الصغر ولا في الحفظ بعد الكبر، وإذا جاز بيع الأب فالثمن من جنس حقه وهو النفقة فله الاستيفاء منه كما لو باع العقار والمنقول على الصغير جاز لكمال الولاية، ثم له أن يأخذ منه نفقته؛ لأنه جنس حقه ومحل الخلاف في الابن الكبير أما الصغير فللأب بيع عرضه للنفقة إجماعا كما في شرح الطحاوي وله بيع عقاره، وكذا المجنون بخلاف غير الأب لا يجوز له بيع العقار مطلقا كما في فتح القدير وقيد بالنفقة؛ لأنه ليس للأب بيع عرض ابنه لدين له عليه سوى النفقة اتفاقا واستشكله الزيلعي بأنه إذا كان البيع من باب الحفظ وله ذلك فما المانع منه لأجل دين آخر وأجاب عنه في غاية البيان بأن النفقة لا تشبه سائر الديون؛ لأنه حينئذ يلزم القضاء على الغائب فلا يجوز بخلاف النفقة فإنها واجبة قبل القضاء وإنما قضى القاضي إعانة فجاز بيع الأب لعدم القضاء على الغائب ا هـ. وأشار بقوله للنفقة إلى أنه لا يجوز بيعه إلا بقدر ما يحتاج إليه من النفقة ولا يجوز له أن يبيع الزيادة على ذلك كما في غاية البيان وأطلق المصنف في بيع العرض وهو مقيد بغيبته؛ لأن الابن لو كان حاضرا ليس للأب البيع إجماعا كما في الذخيرة وإنما قال المصنف للنفقة ولم يقل لنفقته للإشارة إلى أنه يبيع لنفقته ونفقة أم الغائب وإن كانت الأم لا تملك البيع قال في الذخيرة الظاهر أن الأب يملك البيع والأم لا تملك، ولكن بعد ما باع فالثمن يصرف إليهما في نفقتهما ا هـ. واحترز بالأب أيضا عن القاضي؛ لأنه ليس له البيع عند الكل لا في العروض ولا في العقار ولا في النفقة ولا في سائر الديون، يريد به إذا لم يكن السبب معلوما للحاكم وإن كان معلوما، ولكن حاجة الأب لم تكن معلومة أو إن كانت معلومة إلا أنه يحتمل أن الابن أعطاها النفقة وفي هذه الوجوه كلها لا يبيع؛ لأنه لو باع القاضي وصرف الثمن إليه لا يكون ذلك الثمن مضمونا عليه؛ لأنه قبض بأمر القاضي فيتضرر به الغائب فلذا لا يبيعه القاضي، ولكن يفوض الأمر إلى الأب ويقول له إن كنت صادقا فيما تدعي وإلا فلا آمرك بشيء وهو على هذا الوجه لا يتضرر الغائب ا هـ. (قوله: ولو أنفق مودعه على أبويه بلا أمر ضمن) أي المودع ما أنفقه؛ لأنه تصرف في مال الغير بلا ولاية ولا نيابة؛ لأنه نائب عنه في الحفظ لا غير والمودع ليس بقيد؛ لأن مديون الغائب كذلك كما في الولوالجية والأبوان ليسا بقيد، بل الإنفاق على الزوجة بلا أمر كذلك كما في الخانية من كتاب الوديعة، وكذا على الأولاد وقيد بكونه بلا أمر؛ لأنه لو كان بأمر الغائب فلا إشكال، وكذا إذا كان بأمر القاضي؛ لأن أمره ملزم لعموم ولايته ولا يقال إنه قضاء على الغائب ولا يجوز؛ لأنا نقول نفقة هؤلاء واجبة قبل القضاء وقضاؤه إعانة لهم فحسب، كذا في غاية البيان، وعند أمر القاضي لا فرق بين الأبوين والأولاد الصغار والزوجة كما تقدم في قوله وفرض لزوجة الغائب إلى آخره. وأشار المصنف إلى أن المودع لو قضى دين المودع الوديعة فإنه يكون ضامنا ولم يضمنه الحاكم أبو إسحاق، والصحيح الضمان كما أشار إليه محمد في كتاب الوديعة، كذا في الذخيرة وأطلقه فظاهره أنه ولو كان بأمر القاضي؛ لأن الأمر هنا بقضاء الدين قضاء على الغائب وهو لا يجوز بخلاف الأمر بالإنفاق كما قدمنا الفرق وإنما عبر المصنف بالضمان دون الحرمة؛ لأنه إنما يضمن في القضاء، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا ضمان عليه، ولو مات الغائب حل له أن يحلف لورثته أنهم ليس لهم عليه حق؛ لأنه لم يرد بذلك غير الإصلاح، وكذا في فتح القدير. وأطلق المصنف في الضمان فشمل ما إذا أمكن استطلاع رأي القاضي أو لا لكن نقلوا عن النوادر أنه مقيد بما إذا أمكن أما إذا لم يمكن فلا ضمان استحسانا قال في الذخيرة، وكذلك قال مشايخنا في رجلين كانا في سفر فأغمي على أحدهما فأنفق الآخر على المغمى عليه من مال المغمى عليه لم يضمن استحسانا، وكذا إذا مات فجهزه صاحبه من ماله لم يضمن استحسانا، وكذا العبد المأذون في التجارة إذا مات مولاه فأنفق في الطريق لم يضمن، وكذا روي عن مشايخ بلخ إذا كان للمسجد أوقاف ولم يكن لها متول فقام واحد من أهل المحلة في جميع الأوقات وأنفق على المسجد فيما يحتاج إليه من الحصر والحشيش لا يضمن استحسانا فيما بينه وبين الله تعالى وحكي عن محمد أنه مات واحد من تلامذته فباع محمد كتبه وأنفق في تجهيزه فقيل له إنه لم يوص بذلك إلى أحد فتلا محمد قوله تعالى: {والله يعلم المفسد من المصلح} فما كان على قياس هذا الأصل لا ضمان عليه فيما بينه وبين الله تعالى استحسانا أما في الحكم فهو ضامن، وكذا الورثة الكبار إذا أنفقوا على الصغار ولم يكن هناك وصي فإنهم متطوعون حكما، وأما ديانة فإنهم محسنون ويسعهم أن يقروا بما فضل من نصيب الصغار فقط، ولو حلفوا فلا شيء عليهم ونظيره إذا عرف الوصي الدين على الميت فقضاه ولم يقر بذلك ولم يعرفه القاضي ولا الورثة ولا يأثم. وكذا إذا كان لرجل عند رجل وديعة وعلى صاحب الوديعة مثلها دين والمودع يعلم أنه مات ولم يقبض دينه وسع المودع أن يقضي ذلك الدين بماله ولا يقربه، وكذا إذا كان لعمرو على زيد دين وعلى عمرو مثل ذلك الدين لرجل آخر فمات عمرو وزيد يعرف أن عمرا لم يقض دينه يسع لزيد أن يقضي دين عمرو بما لعمرو على زيد ولا يخبر ورثته بذلك ا هـ. والأصل في ذلك أن خالد بن الوليد أخذ الراية وتأمر من غير تأمير لأجل الإصلاح ذكره الكرماني في شرح البخاري من الجنائز ولم يذكر المصنف أنه هل يرجع بما أنفقه على من أنفق عليه عند ضمانه وقالوا لا رجوع له؛ لأن المودع ملك المدفوع بالضمان فكان متبرعا بملك نفسه وظاهره أنه لا فرق بين أن ينفق عليهم وبين أن يدفع الوديعة إليهم في وجوب الضمان وعدم الرجوع عليهم لوجود العلة فيهما ولم أر أنه إذا أنفق عليهم بلا أمر، ثم أجاز المالك لظهور أنه لا ضمان؛ لأن الإجازة إبراء له من الضمان، ولقولهم إن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة. (قوله: ولو أنفقا ما عندهما لا) أي لا ضمان عليهما؛ لأنهما استوفيا حقهما؛ لأن نفقتهما واجبة قبل القضاء على ما مر، وقد أخذا جنس الحق وفي الخلاصة، ولو أنفق على نفسه من مال الابن، ثم خاصمه الابن فقال: إنفقته وأنت موسر، وقال الأب أنفقته وأنا معسر قال انظر إلى حال الأب يوم الخصومة إن كان معسرا فالقول قوله استحسانا في نفقة مثله وإن كان موسرا فالقول قول الابن، ولو أقاما البينة فالبينة بينة الابن ا هـ. وحكم الزوجة والولد كالأبوين إذا أنفقا ما عندهما لا ضمان عليهما بخلاف غيرهم من القريب المحرم العاجز فإنه يضمن بالإنفاق بغير قضاء ولا رضا قال في الذخيرة إن نفقة الوالدين والمولودين والزوجة واجبة قبل القضاء حتى إذا ظفر أحد من هؤلاء بجنس حقهم كان له الأخذ بغير قضاء ولا رضا فأما نفقة سائر الأقارب لا تجب إلا بالقضاء أو الرضا حتى لو ظفر واحد من الأقارب بجنس حقه لم يكن له الأخذ إلا بقضاء أو رضا؛ ولذا يفرض القاضي في مال الغائب نفقة الأولين فقط ا هـ. (قوله: ولو قضى بنفقة الولاد والقريب ومضت مدة سقطت) لأن نفقة هؤلاء تجب كفاية للحاجة حتى تجب مع اليسار، وقد حصلت الكفاية بمضي المدة بخلاف نفقة الزوجة إذا قضى بها القاضي؛ لأنها تجب مع يسارها فلا تسقط بحصول الاستغناء فيما مضى ولم أر من صرح بأنه يأثم ومقتضى وجوبها أنه يأثم بتركها إذا طلبها صاحبها وامتنع مع أنهم قالوا إنها لا تجب إلا بالقضاء أو الرضا كما قدمناه عن الذخيرة؛ ولذا ليس لمن هي له أن يأخذها بغير قضاء ولا رضا وصرح الخصاف في أدب القاضي بأنها لا تجب إلا بالقضاء للاختلاف فيها واستشكله السروجي في الغاية من حيث إنهم جعلوا القاضي نفسه هو الذي أوجب هذه النفقة والقاضي ليس بمشرع وما ذاك إلا للنبي صلى الله عليه وسلم وانقطع من بعده فهو مشكل جدا وتبعه على ذلك الطرسوسي في أنفع الوسائل، وقال لم قيل إن الوجوب يثبت بقوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} فقضاء القاضي إعانة له كما في نفقة الأولاد كيف وأنهم قد استدلوا في أصل المسألة بهذه الآية على وجوب نفقة القريب وكلمة على للإيجاب ولا يعكر على هذا اختلاف العلماء؛ لأن المسائل الاختلافية يعمل فيها على الاختلاف ولا يكون الاختلاف مؤثرا في عدم القبول فإن ذلك كان واجبا قبل القضاء كما قلنا في نفقة المبتوتة إنه يقضي بها باعتبار أنها ثابتة قبل القضاء والقضاء إعانة لا أن تعيين القاضي مثبت لها، وكذا بقية المسائل الخلافية ولم يظهر لي الموجب لفرارهم من هذا ا هـ. وفي البدائع أن شرط وجوب نفقة القريب الطلب والخصومة بين يدي القاضي في نفقة غير الولاد فلا تجب بدونه؛ لأنها لا تجب بدون قضاء القاضي والقضاء لا بد له من الطلب والخصومة ا هـ. وهو صريح في أن الطلب من غير أن يكون بين يدي القاضي لا يكون موجبا وأطلق المصنف في المدة وهي مقيدة بالكثيرة أما القليلة فلا تسقط وهي ما دون الشهر كما ذكره في الذخيرة وتبعها الشارحون؛ لأنها لو سقطت بالمدة اليسيرة لما أمكنهم استيفاؤها وفي فتح القدير وكيف لا تصير القصيرة دينا والقاضي مأمور بالقضاء، ولو لم تصر دينا لم يكن بالأمر بالقضاء فائدة، ولو كان كلما مضى سقط لم يمكن استيفاء شيء ومثل هذا قدمناه في غير المفروضة من نفقات الزوجات ا هـ. وأطلق في نفقة الولاد فشمل الأصول والفروع الصغار والكبار واستثنى في الذخيرة معزيا إلى الحاوي وأقره عليه الزيلعي نفقة الصغير فإنها تصير دينا على الأب بقضاء القاضي بخلاف نفقة سائر الأقارب وفي الواقعات، وإذا فرض نفقة الأب أو الابن فلم يقبض سنين، ثم أيسر أو مات تبطل؛ لأن هذا صلة من وجه فلا يصير دينا من كل وجه ا هـ. ولا يخفى أن تعليق البطلان على اليسار أو الموت ليس بقيد لما ذكرناه. (قوله: إلا أن يأذن القاضي بالاستدانة) يعني فلا تسقط بمضي المدة؛ لأن القاضي له ولاية عامة فصار إذنه كأمر الغائب فتصير دينا في ذمته، وقد أخل المصنف بقيد لا بد منه وهو الاستدانة والإنفاق مما استدانه كما قيده في المبسوط والنهاية وغيرهما حتى قال الطرسوسي ولقد غلط بعض الفقهاء هنا في مفهوم كلام صاحب الهداية، وقال إذا أذن القاضي في الاستدانة ولم يستدن فإنها لا تسقط، وهذا غلط، بل معنى الكلام أذن القاضي في الاستدانة واستدان ا هـ. قال في المبسوط فلو أنفق بعد الإذن بالاستدانة من ماله أو من صدقة تصدق بها عليه فلا رجوع له عليه لعدم الحاجة ا هـ. وصرح في الذخيرة في نفقة الأولاد الصغار أنهم إذا أكلوا من مسألة الناس فلا رجوع لأمهم على الأب بشيء فلو أعطوا نصف الكفاية واستدانت الأم لهم النصف رجعت بما استدانت، وقد قدمناه وأفاد المصنف بعدم سقوطها بعد الاستدانة المأذون فيها أنه لو مات من عليه النفقة بعد ذلك لا تسقط على الصحيح، بل تؤخذ من تركته وأن دينها حينئذ مانع من وجوب الزكاة؛ لأنه دين له مطالب من جهة العباد وفي الخانية رجل غاب ولم يترك لأولاده الصغار نفقة ولأمهم مال تجبر الأم على الإنفاق، ثم ترجع بذلك على الزوج ا هـ. ولم يشترط الاستدانة ولا الإذن بها فيفرق بين ما إذا أنفقت عليهم من مالها وبين ما إذا أكلوا من المسألة وفي البزازية قالت الأم للقاضي افرض نفقة هذا الصغير على أبيه ومرني حتى أستدين عليه ففعله القاضي فإذا استدانت عليه وأيسر رجعت عليه فإن لم ترجع عليه حتى مات لا تأخذه من تركته في الصحيح وإن أنفقت عليه من مالها أو من المسألة من الناس لا ترجع على الأب، وكذا في نفقة المحارم ا هـ. ثم اعلم أن الممتنع من نفقة القريب المحرم بشروطه يضرب ولا يحبس بخلاف الممتنع من سائر الحقوق؛ لأنه لا يمكن استدراك هذا الحق بالحبس؛ لأنه يفوت بمضي الزمان فيستدرك بالضرب بخلاف سائر الحقوق، كذا في البدائع. (قوله: ولمملوكه) أي تجب النفقة والكسوة والسكنى لمملوكه على سيده للأمر في قوله: صلى الله عليه وسلم: «أطعموهم ما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون» وعليه إجماع العلماء قال الطحاوي ذهب قوم إلى أن الرجل عليه أن يسوي بين مملوكه وبين نفسه في الطعام والكسوة احتجاجا بما روينا وخالفهم آخرون احتجاجا بما حدث الطحاوي بإسناده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل ما لا يطيق» فدل على أن للموالي أن يفضلوا أنفسهم على عبيدهم ويدل عليه أيضا حديث البخاري مرفوعا: «إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه ولي علاجه» والجواب عن الأول أنه ذكر بلفظ من وهي للتبعيض فإذا أطعمهم الموالي من بعض ما يأكلون أو كسوهم من بعض ما يلبسون يحصل الغرض فلو كان المراد التسوية في الأكل والكسوة لقال مثل ما تأكلون ومثل ما تلبسون، كذا في غاية البيان وأجاب عنه في فتح القدير بأن المراد من جنس ما تأكلون وتلبسون لا مثله فإذا ألبسه من الكتان والقطن وهو يلبس منهما الفائق كفى بخلاف إلباسه نحو الجوالق والله أعلم، ولم يتوارث عن الصحابة أنهم كانوا يلبسون مثلهم إلا الأفراد ا هـ. والمراد بالمملوك من كانت منافعه مملوكة لشخص سواء كانت رقبته مملوكة له أو لا فدخل المدبر وأم الولد وخرج المكاتب؛ لأنه مالك لمنافعه، ولو أوصى بعبد لرجل وبخدمته لآخر فالنفقة على من له الخدمة فإن مرض في يد صاحب الخدمة إن كان مرضا لا يمنعه من الخدمة كانت نفقته على صاحب الخدمة وإن كان مرضا يمنعه من الخدمة كانت نفقته على صاحب الرقبة وإن تطاول المرض ورأى القاضي أن يبيعه فباعه يشتري بثمنه عبدا يقوم مقام الأول في الخدمة كذا في الخانية وزاد في المحيط أنه إن كان صغيرا لم يبلغ الخدمة فنفقته على صاحب الرقبة حتى يبلغ الخدمة، ثم على المخدوم؛ لأنه ملك المنافع بغير عوض فصار كالمستعير، وكذا النفقة على الراهن والمودع، وأما عبد العارية فعلى المستعير، وأما كسوته فعلى المعير، كذا في الواقعات، ولو أوصى بجارية لإنسان وبما في بطنها لآخر فالنفقة على من له الجارية ومثله أوصى بدار لرجل وسكناها لآخر فالنفقة على صاحب السكنى؛ لأن المنفعة له فإن انهدمت فقال صاحب السكنى أنا أبنيها وأسكنها كان له ذلك ولا يكون كتبرع؛ لأنه مضطر فيه؛ لأنه لا يصل إلى حقه إلا به فصار كصاحب العلو مع صاحب السفل إذا انهدم السفل وامتنع صاحبه من البناء لصاحب العلو أن يبنيه ويمنع صاحبه عنه حتى يعطي ما غرم فيه ولا يكون متبرعا وأطلق في المملوك فشمل ما إذا كان له أب موجود حاضر أو لا وشمل الأمة المتزوجة حيث لم يبوئها منزلا للزوج وشمل الصغير والكبير والذكر والأنثى الصحيح والمريض والزمن والأعمى. وأما العبد الآبق إذا أخذه رجل ليرده على مولاه وأنفق عليه إن أنفق بغير أمر القاضي كان كتطوع لا يرجع وإن رفع الأمر إلى القاضي فسأل من القاضي أن يأمره بالإنفاق عليه نظر القاضي في ذلك فإن رأى الإنفاق أصلح أمره بالإنفاق وإن خاف أن تأكله النفقة أمره القاضي بالبيع وإمساك الثمن، وكذا إذا وجد به ضالة في المصر أو في غير المصر، وأما العبد المغصوب فإن نفقته على الغاصب إلى أن يرده إلى المولى فإن طلب من القاضي أن يأمره بالنفقة أو بالبيع لا يجيبه؛ لأن المغصوب مضمون على الغاصب إلا أن يكون الغاصب مخوفا منه على العبد فحينئذ يأخذ القاضي ويبيعه ويمسك الثمن، وأما العبد الوديعة إذا غاب صاحبه فجاء المودع إلى القاضي وطلب منه أن يأمره بالنفقة أو بالبيع فإن القاضي يأمره بأن يؤاجر العبد وينفق عليه من أجره وإن رأى أن يبيعه فعل، وأما العبد إذا كان بين رجلين فغاب أحدهما وتركه عند الشريك فرفع الشريك الأمر إلى القاضي وأقام البينة على ذلك كان القاضي بالخيار إن شاء قبل هذه البينة وإن شاء لم يقبل وإن قبل يأمره بالنفقة ويكون الحكم ما هو الحكم في الوديعة والكل من الخانية. وفي الخلاصة الشريك إذا أنفق على العبد في غيبة شريكه بغير إذن القاضي وبغير إذن صاحبه، وكذا النخل والزرع، وكذا المودع والملتقط إذا أنفق على الوديعة واللقطة، وكذا في الدار المشتركة إذا اشتريت فأنفق أحدهما بغير إذن صاحبه وبغير إذن أمر القاضي فهو متطوع وفي القنية ونفقة المبيع على البائع ما دام في يده هو الصحيح، ثم رقم برقم آخر أنه يرفع البائع الأمر إلى الحاكم فيأذن له في بيعه أو إجارته، ثم رقم بأن نفقة العبد المبيع بشرط الخيار على من له الملك في العبد وقت الوجوب، وقيل على البائع، وقيل يستدان فيرجع على من يصير له الملك كصدقة الفطر ا هـ. وفي وجوب نفقة البيع على البائع قبل تسليمه إشكال؛ لأنه لا ملك له لا رقبة ولا منفعة فينبغي أن تكون على المشتري وتكون تابعة للملك كالمرهون كما بحثه بعضهم كما في القنية وشمل كلام المصنف أيضا المملوك ظاهرا فلو شهد عليه بحرية أمته فوضعها القاضي على يد عدل لأجل المسألة على الشهود فالنفقة على من هي في يده سواء ادعت الأمة الحرية أو جحدت لوجوب نفقة المملوك على مولاه وإن كان ممنوعا منه ولا رجوع للمولى بما أنفقه سواء زكيت الشهود أو لا إلا إذا أجبره القاضي على الإنفاق أو أكلت في بيته بغير إذنه فيرجع بما أنفقه؛ لأنه تبين أن لا ملك له وإن كان عبدا أمره أن يكتسب وينفق على نفسه إن كان قادرا عليه وإلا فعلى المدعى عليه وتمامه في الذخيرة. (قوله: فإن أبى ففي كسبه وإلا أمره ببيعه) أي إن امتنع المولى عن الإنفاق فإن نفقته في كسبه إن كان له كسب؛ لأن فيه نظرا لهما حتى يبقى المملوك فيه حيا ويبقى فيه ملك المالك وإن لم يكن لهما كسب بأن كان عبدا زمنا أو جارية لا يؤجر مثلها أجبر المولى على بيعهما؛ لأنهما من أهل الاستحقاق وفي البيع إيفاء حقهما وإيفاء حق المولى بالخلف بخلاف نفقة الزوجة؛ لأنها تصير دينا فكان إبطالا وفي غاية البيان أن كل ما لا يصلح للإجارة يجبر المولى على الإنفاق أو يبيع القاضي إذا رأى ذلك إلا المدبر وأم الولد فإنه يجبر على الإنفاق لا غير؛ لأنه لا يمكن بيعهما ا هـ. فلو قال المصنف كذلك لكان أولى وعلم مما في الغاية أن الأمر بالبيع معناه بيع القاضي عليه وفي شرح الأقطع ما ذكر من البيع ينبغي أن يكون على قول أبي يوسف ومحمد؛ لأنهما يريان البيع على الحر لأجل حق الغير فأما أبو حنيفة فإنه لا يرى جواز البيع على الحر، ولكنه يحبسه حتى يبيعه إذا استحق عليه البيع ا هـ. ولذا قال المصنف أمر ببيعه ولم يقل باعه القاضي قيد بالمملوك أي الرقيق؛ لأن ما عداه من أملاكه إذا امتنع من الإنفاق فإنه لا يجبر عليه، ولو كان حيوانا؛ لأنها ليست من أهل الاستحقاق إلا أنه يفتى فيما بينه وبين الله تعالى في الإنفاق على الحيوانات؛ لأنه عليه السلام نهى عن تعذيب الحيوان وفيه ذلك ونهى عن إضاعة المال وفيه إضاعته، وعن أبي يوسف أنه يجبر والأصح ما قلنا، كذا في الهداية ورجح الطحاوي رواية أبي يوسف قال وبه نأخذ قال في فتح القدير وبه قالت الأئمة الثلاثة وغاية ما فيه أن يتصور فيه دعوى حسبة فيجبره القاضي على ترك الواجب ولا بدع فيه وظاهر المذهب الأول والحق ما عليه الجماعة ا هـ. وأما في غير الحيوانات كالدور والعقار لا يفتي به أيضا إلا إذا كان فيه تضييع المال فيكون مكروها، وهذا كله إذا لم يكن له شريك فإن كانت دابة بين شريكين فامتنع أحدهما من الإنفاق أجبره القاضي؛ لأنه لو لم يجبره لتضرر الشريك كما في المحيط وذكر الخصاف أن القاضي يقول للآبي إما أن تبيع نصيبك من الدابة أو تنفق عليها رعاية لجانب الشريك وفي الذخيرة لو أوصى بنخل لواحد وبثمرة لآخر فالنفقة على صاحب الثمرة وفي التبن والحنطة أن ما بقي من ثلث ماله شيء فالنفقة في ذلك المال وإن لم يبق فالتخليص عليهما؛ لأن المنفعة لهما ا هـ. وفي فتح القدير وأقول: ينبغي أن يكون على قدر قيمة ما يحصل لكل منهما وإلا يلزم ضرر صاحب القليل ألا ترى إلى قولهم في السمسم إذا أوصى بدهنه لواحد وبثجيره لآخر أن النفقة على من له الدهن لعده عدما وإن كان قد يباع وينبغي أن يجعل كالحنطة والتبن في ديارنا؛ لأن الثجير يباع لعلف البقر وغيره، وكذا أقول: فيما روي عن محمد ذبح شاة فأوصى بلحمها لواحد وبجلدها لآخر فالتخليص عليهما كالحنطة والتبن أنه يكون على قدر الحاصل لهما وقبل الذبح أجرة الذبح على صاحب اللحم لا الجلد ا هـ. وفي المجتبى العبد إذا أقتر عليه مولاه في نفقته ليس له أن يأكل من مال مولاه لكن يكتسب ويأكل إلا إذا كان صغيرا أو جارية أو عاجزا عن الكسب فله أن يأكل وإن لم يأذن له في الكسب فله أن يأكل من مال مولاه وللعبد أن يأخذ من مال سيده قدر كفايته، ولو تنازعا في عبد أو أمة في أيديهما يجبران على نفقته ونفقة الدابة المستأجرة على الآجر، وإذا شرط العلف على المستأجر لم يضمن إن لم يعلفها حتى ماتت؛ لأن بدل المنافع تعود إلى مالك الرقبة ومن ركب فرسا حبيسا في سبيل الله تعالى فنفقته عليه حتى يرده عليه والأصل أن من كانت له المنفعة أو بدلها فالنفقة عليه سواء كان مالكا أو لا ا هـ. وفي فتح القدير ويجوز وضع الضريبة على العبد ولا يجبر عليها، بل إن اتفقا على ذلك ا هـ. وقيدنا الذي لا كسب له بأن يكون زمنا إلى آخره تبعا لما في الهداية للاحتراز عملا إذا كان صحيحا غير عارف بصناعة فإنه لا يكون عاجزا عن الكسب؛ لأنه يمكن أن يؤاجر نفسه في بعض الأعمال كحمل شيء وتحويل شيء كمعين البناء وما قدمناه نقلا عن الكافي في نفقة ذوي الأرحام ثبوته هنا أولى، كذا في فتح القدير وفي الخلاصة، ولو أعتق عبدا زمنا أو مقعدا سقطت نفقته عن المولى وينفق عليه من بيت المال ا هـ. والله سبحانه وتعالى أعلم.
|